بقلم - علي ابو الريش
الأحداث المجلجلة، تنتج عنها أفكار كبيرة، هكذا هي الحياة. بجائحة كورونا، اهتزت أشجار المجتمعات، وتساوى الكبار مع الصغار، وربما كانت جائحة الكبار أكبر، وأعظم، ولكن كل ما حدث، يشير إلى أن الكرة الأرضية شاخت، والعقل البشري وصل إلى ذروة الأسئلة المحتدمة في الرأس، ولا بد من مصير جديد، تحتفل به البشرية، وتغني من أجله ليصبح العالم أكثر جمالاً، بعد ما أصابه غبار تقادم الزمن.
بعد الحرب العالمية الثانية برزت قوى، وانطفأت أخرى، وتوارت أفكار، وطفت أفكار أخرى، لأن العقل كان قد ملّ من التبعية لأفكار ما كانت تقدم جديداً، فنشأت الوجودية كرد فعل على المادية الاشتراكية وكذلك الأنسنة الرأسمالية.
اليوم، يلهث العالم وراء لقاح يعيد للبشرية عافيتها، ومع اللقاح الجسدي هناك مسعى عالمياً لإيجاد مصل جديد، يعيد للعقل قوته، وجاذبيته، وإلهاماته التي سلبت منه غصباً، بعدما تاهت الميكنة في ضجيج الأقوى، والأسلم، وصار الإنسان ترساً في الآلة، تأخذه بعيداً عن منزله، وعائلته، ونوعه.
اليوم، سيتم البحث عن ذلك الإنسان الضائع في غابة الأنا، وسيتم من خلال البحث، الاعتراف بأن الـ (نحن) هو الأصل في الكينونة، ولا ملاذ غير التضامن، والالتفاف حول الكل، وليس الجزء.
أوروبا بدأت تصرخ بصوت عال، ومدو، وما الشرخ الذي أصاب إيطاليا جرّاء الجرح الأليم، إلا نتيجة مباشرة لذلك الأنا، الذي كان مختبئاً بخبث تحت قشرة سميكة اسمها الإرث الأوروبي، اليوم بدأت الأعين تتجه نحو الـ «نحن»، وإلا سوف يفيض النهر، ويأكل الفراخ الصغار، ولن يبقى في القن سوى بقايا ريش، يدلل على وجود جريمة ما حدثت في المكان، وأن المجرم هو «الأنا»، هذا الكائن البغيض، ما أن يستوطن الذات، حتى يحولها إلى مكمن للعزلة، والعبثية، والنفور من الواقع.
اليوم، تعمل الذاكرة البشرية على استعادة ما فعلته الحروب الوثنية والدينية، والعرقية على حد سواء، بذلك الكون الجميل، وكيف تساقطت أوراق الربيع الإنساني، عندما فكّرت العاصفة الغاشمة، في أن تحرك أجنحة كبريائها المزعوم، ومن خلال التذكر ينتفع الناس أجمعون، ويستوعبون كيف أن الفرقة مدمرة، والأنانية مرة، ونسيان ما للحب من استنارة في العقل، وتجاهل ما للأحلام الزاهية من جداول روحية لا بد من الارتواء منها.
اليوم، وبعد الجائحة النكراء، سيفكر الجميع بالممكن، وليس بالمستحيل، سيفكر الناس بأن الحب وحده الذي يمد الخيط الحريري، بين الأنا، والأنت، ولا سبيل غير ذلك، إن أرادت البشرية أن يظل كوننا يسترخي على أريكة السلام، ووئام الطبيعة.