بقلم - علي ابو الريش
الإحباط آفة المنكسرين، والشعور بالدونية، مثل السقوط من على جبل شاهق.
عندما يفقد المرء الإحساس بقيمة الذات، فإنه يصبح مثل طائرة ورقية تتقاذفها الريح، فلا هو ثابت في الفضاء، ولا هو راكز على الأرض، إنه كائن يعيش على حافة حفرة سوداء، إنه في اللاشيء.
الإدانة للذات، وتأنيبها، وتوبيخ الإنسان نفسه لأتفه الأسباب، هو نتاج حالة عدمية، مبعثها تنشئة منزلية، أحيطت باختزال الشخصية، وتحويلها إلى نتوء نافر في الجلد.
الاعتناء بالذات لا يقل أهمية عن الاهتمام بالمظهر الخارجي، بل إن الاثنين يعبران عن حالة الإنسان النفسية.
عندما لا يجد الإنسان أي أهمية لنفسه أمام الآخرين، فإنه يذهب بالذات إلى مراحل قصوى في الدونية، يأخذها إلى عوالم ما بعد الفراغ، يأخذها إلى تقاعد مبكّر، وإلى جلوس على دكة الاحتياط.
عندما يقول لك شخص ما إنني لا أنفع لشيء، أو أنا فاشل، أو أن الناس لا يقبلونني في محيطهم، أو لا أجد جدوى من دخولي في محيط يوجد فيه أشخاص أرفع مني.
كل هذه العبارات، تند عن حالة نفسية مهشّمة، وعن لا وعي مأزوم بتاريخ من الانكسارات والانهيارات الأرضية، ألمَّت بهذا الشخص، وعن تجارب مأساوية سابقة، لم تزل تمسك بزمام مسيرته الحياتية، أي أنه لم يزل في النفق التاريخي، لم يزل يسكن منطقة الماضي، إنه في حالة نكوص مزرية، تقبض على عنق الزجاجة في نفسه.
مثل هؤلاء الأشخاص قد يتمتعون بذكاء حاد، ولكن كمية الإحباط تداهمهم، وتغشي عيونهم، مثل الغبار الذي يمنع الرؤية أمام سائق عربة في شارع ضيق.
الإحباط مقبرة الأحياء، هؤلاء أموات تأخر دفنهم، أو هم أموات يمشون على الأرض.
الإحباط كتلة من جحيم، تهيم في كومة قش، والإحباط موجة عارمة تضرب بمخالبها جداراً رملياً.
لذلك عندما تثني على شخص محبط، وقد قدم عملاً يستحق الثناء، فإنك لن تغير من دوافعه شيئاً، إنه في حالة الدخول في النفق، فلن تصل إليه أضواء مصابيحك، لن يشعر بهمسك، لأنه يغط في السديم، لأنه خارج منطقة التواصل السمعي، وشاحن البطارية معطَّل إلى أجل غير مسمى.
الثناء بالنسبة للشخص المحبط، مثل ضرب مسمار صدئ في جدار إسمنتي سميك، والاستمرار في الإطراء، يزيد المحبط إحباطاً، لأنه تثبت عند مرحلة طفولية، كل الكلمات فيها هي رسائل تثبيط، وحرق أوراق، وتكسير عظام.