بقلم - علي ابو الريش
ليل يذهب، وفجر يطل، وعالم يستيقظ على بؤرة خطر، تنبه فيه الحاجة إلى مصل يرتب وجدان السياسة، ويزيل عن كاهلها غبار العصاب، ويفتح نافذة لاتحاد عالمي ضد كارثة لم تفرق بين يمين أو يسار، ولا بين شرقي أو غربي، فالجميع في المصاب سواسية وهذه هي سنة الطبيعة، إنها لا تميز، ولا تتحيز، فهي الطلقة التي تذهب إلى حيث يكمن ضعف الإنسانية، وجهلها بأهمية الاصطفاف حول كلمة سواء، والخروج من تأتأة الارتياب والشك، والريبة، واضطراب المشاعر، وتفجر الأنا بحيث تصبح أشد ضراوة من الوباء نفسه.
في آونة المصاب الجلل الذي حلّ بالبشرية، تكشفت كريات دم ضعيفة أصابت الجسم البشري بالعجز، في مواجهة وباء العصر، وصار لزاماً على الجميع وضع سماعة جس النبض على القلوب، لتحاشي أي انزلاق في هبوط ضغط الدم، وفقدان السيطرة على التوازن الأخلاقي، وانحسار الضمير البشري، والإصابة بعد ذلك بفقدان الوعي.
نحن اليوم بحاجة إلى التضامن أكثر من وقت مضى، نحن بحاجة إلى التخلص من الأنا، والإمساك بقوة بال (نحن) والسير معاً إلى المستقبل متكاتفين، متعاونين، متحدين، متخلين عن العنجهية، والتزمت، والتعنت، والتفتت، والدخول في غرفة العمليات، معاً لمراقبة ما يحدث، ومعرفة أسباب ما حدث، ومن البحث عن الدواء الذي يشفي المرض، وتنتهي البشري من هذه الأسئلة الوهمية، والتي لن تعود إلا بالضرر على الجميع، وبعدها لن يفيد الندم.
نحن اليوم وفي عالم يكاد يكون نموه العقلي قد اكتمل، علينا أن نستفيد من هذه الإمكانيات العلمية المتوفرة، لنسخرها في طرد الأذى، وإحلال الطمأنينة الصحية والتمتع بعافية الوجدان، قبل كل شيء.
نحن اليوم، أمام اختبار، مفاده، فإما أن نتحد ونقوى، أو نتفرق فنضعف، بل نكون أضعف من جناح بعوضة.
الطبيعة لا تكشر عن أنيابها، إلا عندما يصبح البشر فرائس للتشتت، وحملان وديعة أمام ما يحدث من كوارث طبيعية.
نحن اليوم، نشاهد، ونتابع، ونشعر بالألم عندما يسقط إنسان بريء ضحية وباء بغيض، نشعر بالأسى عندما يظل العالم يتراشق بالتهم، بينما الوباء ينتشر بين الناس، كانتشار النار في الهشيم.
نحن اليوم، نقف أمام مشهد لم تمر البشرية بمثله منذ الحرب العالمية الثانية، ولا تزال بعض الدول، تفكر كيف حدث هذا الوباء، بينما ينبغي أن نفكر كيف نتخلص من المرض، وإن كانت هناك أسئلة يجب أن تؤجل إلى ما بعد القضاء على الوباء، وهذا هو ما تنتظره الشعوب، وليس من أين جاء، ومتى، وكيف؟