بقلم - علي أبو الريش
كلنا مسافر إلى ما لا نهاية.
الجالس مسافر، والواقف مسافر، والماشي مسافر، وكل له غايته في هذا العالم، ولا أحد يتوقف عن السفر إلا الأموات.
عندما تجلس بالقرب من شخص ما فقد تعرفه أو لا تعرفه، لكنك تعرف أنه مسافر عبر فكرة تأخذه إلى مسافات شاسعة من هذا العالم، فتشعر أن من يجلس قريباً منك يستقل قطاراً أوطائرة أو حتى عربة يقودها حصان أو حمار.
المهم في الأمر لا أحد يعيش في هذا العالم من دون السفر في الأماكن المختلفة، وليس للحركة في المكان علاقة بالسفر، فأنت تسافر، وتتنقل في الأمكنة عبر خيال هو الأسرع في هذا الوجود من أي وسيلة مواصلات، لأنه خارج المكان والزمان، أي أنه لا زمان محدداً للأفكار المنقولة، عبر الصور الذهنية التي تتوافد في المخيلة، مثل الذرات الدقيقة، وتتكون في الرأس بشاشات ثلاثية الأبعاد، بل أكثر من ذلك بكثير، لأن ما يستقطبه الذهن من صور في الثانية الواحدة، يبدو مثل زخات المطر التي لا عد لها ولا عديد، وعندما تنظر إلى شخص ما يجلس في مكان ما وبمفرده، ويكون ساهماً واجماً، لا ينظر إلى شيء معين، تعرف أنه مسافر بأجنحة الفكرة المجللة بأشعة ضوئية ساطعة تشيع فراغاً واسعاً في الذهن، ومن دون أن يعلم أحد ماذا يدور في خلد هذا الشخص الغارق في بحيرة خيالية تمتلئ بالصور والأحداث والتواريخ، حتى أنك تتخيل هذا الشخص، وكأنه متحف تاريخي يضم مراحل مختلفة من الأحداث، ولو حاولت التعمق فيما يدور في ذاكرة هذا الشخص، فلن تستطيع، فالعلم لم يتوصل بعد إلى تقنية تخترق عقل الإنسان، وتنتزع منه ما يجول في داخل هذا العقل.
ولذلك، فإن أبدع ما يتوصل إليه العقل البشري هو الخيال، هو القوة الوحيدة والخارقة التي لا يمكن اختراقها من أعتى قوة في العالم.
ويظل السفر قيمة فعلية أنجزها العقل ضد العقل، أي أنك تسافر من دون تذكرة سفر، ومن دون أن تمر من خلال أجهزة التفتيش، ومن دون الاحتباس في داخل القالب المعدني الضيق الذي نطلق عليه اسم «طائرة».
إنه العقل أضخم طائرة، وأعظم وسيلة نقل عالمية، ولا يكلفك فلساً واحداً.
إنه متعة الفطرة، وقدرتها على تحدي الواقع وتجاوز محنته، عندما تضيق بالإنسان سبل الانتقال من مكان إلى مكان، ومن لحظة إلى لحظة تاريخية أخرى.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن صحيفة الأتحاد