بقلم - علي ابو الريش
بعض الأصوات لها نغمات الطير في السماء، لها خرير الجداول بين الجذور، لها وشوشة الموجة عند شفاه السواحل، لها هديل الحمام بين الأغصان.
بعض الأصوات تملؤك نشوة الخلق وإبداع القصيدة، وتمنحك مشيئة النبوغ، وبلوغ القامات الرفيعة. بعض الأصوات تتسرب فيك مثل الأكسير، وتتجلى في خافقيك، كحلم الأبدية.
بعض الأصوات تسعدك، وتزهر فيك، كما هي اللوتس في طين التجذر. بعض الأصوات تنهلها كعذوبة النهر، كرشفة الرضاب، كمذاق الزنجبيل.
بعض الأصوات، تمسد فيك المشاعر وتعطيك من رقتها، رشاقة البوح، وتحلق بك في فضاءات، تشرح الخاطر، وتبلل تربتك، فتزهر أنت، وتسفر، وتمطر، وتسكر، وتنتعش فيك تلك الأوراق الخضراء، فترفرف، وتهفهف وتصير في الوجود، وجهاً لنجمة لامعة، وصورةً لسحابة ممطرة، ومحيطاً موجاته أجنحة للنوارس، وماؤه من ريق الأساطير.
بعض الأصوات، ربما لا تخرج من أوتار صوتية بشرية، بل هي من دوزنة الفطرة، وعفوية الطبيعة. بعض الأصوات، مثل الصدفات، لها ملمس السحر، ومعطى الزهر، في قربها فخر، وفي بعدها لواعج وسهر.
بعض الأصوات، تطوقك بحنين إلى طفولة غابرة، تجعلك في مهد الحياة، في لوعة البحث عن هدهدة، ومناغاة، ودغدغة.
بعض الأصوات، تنعش فيك أحلام الطفولة، وتجعلك والهاً كالمتيم، تجعلك عاشقاً حبه ذلك الصوت المتدحرج، بين ثنيات شفتين، أنقى من مهج الورود اليانعة، وأزهى من عيون حمامة برية.
بعض الأصوات، سفر التكوين، وحبر أعظم، يسقط فيك شغف الرهبنة ويمنحك مهابة العفاف. بعض الأصوات، مناخات، صافية من الغبار، وهواء أنعم من النسيم وهوى أندى من قطنة نهرية.
بعض الأصوات يراع ينحت فيك صورة الإنسان الصافي، ويكتب على سبورتك، كلمة حب لم تنطق من قبلك، ولا من بعدك.
بعض الأصوات ملحمة تاريخية جزيلة، تمنحك الفضيلة، وتغدقك بسيمفونية، تحيطك بالأمان، والامتنان، تجعلك في الحياة، كحلم طيف يمر على خاطر غافة، أوراقها أجنحة الطير، وأغصانها أوردة عشاق، ما ملوا النظر إلى سحنة مدهشة.
بعض الأصوات، تنسكب في الحياة، رحيقاً، وتبعث في الوجود، خلقاً جديداً، يتماهى، وعبقرية الطبيعة.
بعض الأصوات، تتمنى أن لا يسكته هم، ولا يسكنه غم، تتمنى أن ينعم دائماً بفضيلة الرخاء العاطفي، وألا يسوءه مكروه، بعض الأصوات إن تحشرج، يسومك سوء العذاب، وتصبح أنت في المحيط فريسة تطاردها أنياب التوحش.