بقلم - علي ابو الريش
المرأة عندما تبتسم، يتشقشق الوجود عن ضوء أشبه بخيط يمتد من السماء إلى الأرض، وتغادر الموجة مكانها في البحر، لتحط في قلبك، وتقلب فيك مهد الطفولة، تهدهدك، وتناغيك، وترسم على وجهك قبلة ملائكية، ويصدح عند رأسك فجر سحري يأخذك إلى حيث الأبدية، وحيث تكمن النجوم، وتهجع سحابات خرافية.
المرأة عندما تبتسم، ينجلي عن الوجود البؤس، والرجس، والنحس، واليأس، ويصبح للغيمة أجنحة ويصير للنسيم لون، وتكون أنت مثل نغمة تدوزنها أنامل الأمل، تكون أنت مثل خيمة سقفها من ظل شجرة عملاقة، أغصانها أهداب الشمس، أوراقها أجنحة الطير، وثمارها قطرات المطر على خد الوجود.
عندما تبتسم المرأة، يصبح للأزهار رائحة الجسد، ويصير للفراشات نعومة الجدائل، وللخمايل جداول، تتسرب فيك دماء ساخنة، تمضي في جذورك وحدودك، تخلقك من جديد، وتبدو أنت السارد، والسادر، والداخل، والخارج، من شرنقة الوجود، كأنك الرواية في عقل غزالة برية، وكأنك القصيدة في ضمير الطير.
عندما تبتسم المرأة، تجلي عنك الغبار، وتزيح عن كاهلك السعار، تجعلك مرآة بلا خدوش، تجعلك لغة بلا هنات، تجعلك لحظة مضاءة بالأحلام الزاهية، تجعلك ثيمة معرفية من غير يقوم ولا غيوم، تجعلك سمة من سمات الزهرة، تعطي بلا شروط، وتجعلك صفة من صفات الغافة، متجلياً بالصدق، تجعلك فكرة لا تحيطها غشاوة، ولا تعرقلها نزوة.
عندما تبتسم المرأة تطوقك الأرض بذراعين لدنين، وشفتين لميائيتين، وتخفيك تحت جفنين، شرشفهما رموش كمها هي خيوط الحرير. عندما تبتسم المرأة، تصبح أنت الملك المتوج، ومملكتك عرش بحجم القارات الخمس، والكرسي ذلك الحب الممهد بنعمة الرهافة، ورشاقة المعنى.
عندما تبتسم المرأة، تتحول الجدران إلى أعشاب ربيعية، والحياة قماشة مخملية، والعيون بلورات استثنائية، تتحول أنت إلى عصفور، له أجنحة من ريش الأساطير، تتحول أنت إلى جزيرة سكانها بشر، بملامح ملائكية، تتحول أنت إلى سردية عجائبية، وحبرها من عرق تنهدات ذروة قصوى، وأقصى الأقاصي في حلم الأشجار، فكرة الأطيار في الرفرفة.
عندما تبتسم المرأة، يستعيد الخلق تكوينه الأول، تصبح الفطرة مآلاً، وموالاً، ونهلاً، وسهلاً يصبح الوجود القدرة الفائقة في رسم الصورة النموذجية لإنسان مثالي، هو أنت. عندما تبتسم المرأة تصبح للتاريخ أنامل، تتلمس فيك حرقات النخوة الروحية، وما جاش في الخلايا، والنوايا، وما تزملت به أحلامك.