بقلم _علي أبو الريش
في العام 2003م تمت إبادة العراق عن بكرة أبيه، لمجرد الاشتباه بوجود سلاح نووي لدى هذا البلد، مزق إرباً إرباً، ليبقى اليوم ملاذاً لعصابات القتل والسرقة، وأصبح مسرحاً للأجندات السياسية والطائفية، ولا أحد يعلم ماذا يخبئ المستقبل للمصير والسيادة، بعدما رفعت الأقليات والأكثريات أعلامها الشوفينية، والعراق اليوم يستنشق الطاقة الغازية من جارته (العدوة - الصديقة)، ومهدد بحرمانه من هذا الأكسير. والعراقيون اليوم وهم الذين يسكنون في القاع، يتساءلون لماذا لم يعامل العالم إيران بنفس المكيال، فهذه الدولة تجاهر ليلاً نهاراً أنها خصبت اليورانيوم، وأنها تستطيع أن تصنع السلاح النووي، وكل ما فعله العالم إزاءها هو أن اجتمعت الدول الخمس الكبرى، مستجدية إيران أن تكف عن لعبتها النووية، (عمك أصمخ) ولا من مجيب. اليوم بعدما رفعت أميركا حدة التهديد، بمنع إيران من تصدير النفط، نجد إيران تتحدى العالم، وتقول إنها سوف تهرب وتسرب، وتكذب وتخرب وتضرب، ولم يزل العالم يكتب تهديداته بأنامل ناعمة، ويشعر الإنسان أن إيران بالنسبة للعالم مثل الطفل، وحيد أبويه تهديده بالعقاب، يتحول فجأة إلى دعابة وملاطفة. فيا ترى لماذا؟ هل لأن الغضب العالمي تمتد شدته فقط عندما يتعلق الأمر بالعرب فقط؟ أم ماذا؟ فهذه إيران تلعب بالنار وبالماء، كما تلعب بمصائر شعوب المنطقة، وتتدخل في الشؤون والشجون، فهل لدى إيران الدولة التي يعيش الملايين من شعبها تحت خط الفقر والأمية تضرب أطنابها، وهي دولة متهالكة من حيث الاقتصاد والسلاح الذي يعود إلى زمن الشاه، والذي لم يحصل له أي إعادة إنعاش، هل لديها سحر هاروت، أم هرطقات زرادشت، ما يجعل العالم عاجزاً عن مواجهة مثل هذه الفانتازيا؟ أم أن في وضع إيران هناك شيئاً ما يحدث تحت الطاولات السرية، كما يحدث مع تركيا طفل الغرب المدلل، الذي يتمرد ويحقد، ويسرد قصص الماضي البليد، ولا أحد يريه العين الحمراء، ولا أحد ينبس ببنت شفة لكل مغامرات أردوغان، ومزاجه الإخواني المتضور لنقاط الدم التي تلون الجغرافيا العربية؟ حقيقة معادلات يحتار فيها الفهيم، وكل ذي فكر قويم، لأن الخزعبلات عندما تطفو على سطح السياسة المراوغة، تشيع حالة من التيه والضياع، وتصبح الفكرة مثل ذبابة حائرة في قاع وعاء مغلق. نريد من الغرب الحر أن يتحرر من سياسة المكاييل، ويوقف عربدة إيران العصابية، ونزيف تركيا الذهانية، وأن يحمي نفسه والعالم من مثل هذه الإيماءات المؤذية، ولكي يعيش العالم بسلام، كما دعت إليه ثورة فرنسا منذ العام 1789م، وكما رفع شعارها النبيل جان جاك روسو العظيم.
نريد استدعاء للتاريخ، ولا نريد دفن ما جاء به التاريخ المضيء لأوروبا كما نعتقد، وكما نتمنى.