الانتقال من الابن إلى الأب

الانتقال من الابن.. إلى الأب

الانتقال من الابن.. إلى الأب

 صوت الإمارات -

الانتقال من الابن إلى الأب

علي ابو الريش
بقلم - علي ابو الريش

انتقالك من منطقة الابن إلى منطقة أخرى تسمى الأب، كما هو انتقالك من منزل قديم إلى آخر حديث، ولكن في المنزل القديم هناك أثاث لك فيه جملة صور، وأحاسيس وذكريات، هي جزء من شخصيتك الطفولية، وعندما تنتقل إلى مرحلة الأبوة فإنك تشقى كثيراً في محاولتك التملص من صور التشدق، والتشبث بشجرة الحنان، والذي لا تفتأ التمسك به وأنت في البيت الجديد، أنت في مرحلة الأبوة، تشعر في هذه المرحلة الجديدة بأن كائناً مشاغباً، معتدياً يريد أن يحتل مكانك، يريد أن يطرد جل عواطفك الطفولية ويلونها بلون آخر، يجده هو المناسب لك، كونك أصبحت أباً، ولكنك وأنت تنجب أطفالاً لم يكن بوسعك الانشطار إلى قسمين متناقضين، لأنك في البنوة كنت أنت المتلقي، وأنت الشجرة وغيرك هو الجدول، وعندما ينقلب الهرب، تشعر بالألم، لأن الطفل في داخلك لم يزل في رعونته، ومتطلباته الفطرية والغريزية، لم يزل ذلك الطفل يتهجى النغنغة، والدغدغة في أحضان أعطتك دون أن تنتظر الأخذ، ومنحتك دون أن تشعر بالضجر، وأغدقتك دون أن تساوم على رد الجميل، وطوقتك بالحب، من دون أن تنظر حبك كي يمنحها الشعور بقيمة الذات، كنت أنت في المحيط ملاذ الأمان، والطمأنينة، والإحساس بالكمال، بالنسبة للآخر.
اليوم وأنت ترى صغيرك يحبو نحوك، ويتقدم إليك تسبقه ثرثرته الغامضة وأحياناً صرخاته اللجوجة، والتي لا نهاية لها إلا بوجوده بين يديك، تطعمه، وتسقيه، وتداعب خديه بأنامل الشفقة أحياناً، وبلمسات الحنان والذي هو حنانك الذي فقدته لمجرد أنك أصبحت أباً.
في هذه المرحلة يرتفع منسوب شيخوختك النفسية، وتشعر بأن الأرض في داخلك يزداد تصحرها، والتربة في روحك، يتضاعف يبابها، ولا تجد من تعويض غير هذا التباهي بحمل صغير يتحرَّك بين أحضانك، ويستجلب كل عواطفك لينسيك تاريخك، ولكن التاريخ مثل الصدأ في المعدن القديم، مهما بدلت من جهد لإقصائه، فإنه يترك بقاياه على السطح، ليذكرك بالقدم، ولينبهك بأنك قديم - جديد، وما بين القوسين تكمن حداثة المشاعر، وتجددها، ويكمن كذلك رغبتك الدائمة، والملحة على الاستمرار في مطالبك السابقة، وهي أنك لا زلت طفلاً مهما شاخ الجسد، لأن القلب معدن نفيس لا يشيخ، ولا تبليه السنون.
فأنت في الشيخوخة، طفل كبير، لم تزل عينا أمك تشع ببريق استثنائي لا يمكن إطفاؤه بريق ابنك الصغير وهو يقبلك على جبينك، أو أنك تطبع قبلة على خده. كل ما ستقوم به وتبدله من أجل إخفاء شغفك القديم ليس إلا محاولة للهروب إلى الأمام.
سوف تشعر في لحظة تجل أنك وقعت في شرك خديعة نفسية، وعليك استدعاء الماضي فهو حقيقتك، وهو أنت الذي أنت، ولا شيء غيرك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانتقال من الابن إلى الأب الانتقال من الابن إلى الأب



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 21:03 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان
 صوت الإمارات - عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان

GMT 02:40 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

أخطاء شائعة تؤثر على دقة قياس ضغط الدم في المنزل

GMT 09:01 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يبشرك هذا اليوم بأخبار مفرحة ومفيدة جداً

GMT 17:54 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

زيت النخيل مفيد لكن يظل زيت الزيتون هو خيارك الأول

GMT 04:49 2019 الثلاثاء ,12 شباط / فبراير

وحيد إسماعيل يعود لصفوف الوصل

GMT 19:51 2019 الأحد ,13 كانون الثاني / يناير

شركة "سامسونغ" تحدد موعد إطلاق أول هواتفها القابلة للطي

GMT 22:19 2018 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

تعرف إلى خطة مدرب الشارقة لمواجهة الوحدة

GMT 03:33 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

لقاء ودي بين محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي

GMT 02:31 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

كيف تحمى طفلك المريض بضمور العضلات من الإصابة بفشل التنفس ؟

GMT 03:01 2015 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

معرض جدة الدولي للكتاب يسدل الستار على فعالياته الثلاثاء

GMT 11:49 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

بلدية العين تنفذ حملات تفتيشية على 35 مقبرة

GMT 21:50 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

جينيف سماء ملبدة بغيوم الحنين والبهجة

GMT 22:54 2013 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

"سامسونغ" تُطلق ذراع تحكم بالألعاب لهواتف أندرويد

GMT 10:58 2013 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

"كلاكيت" رواية جديدة للكاتب محمد عبد الرازق
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates