بقلم : علي ابو الريش
النفعي شخص براجماتي في الأساس قبل أن يقرأ لفيلسوف أميركا الكبير وليم جيمس أنه شخص تطور من نسل معطيات تاريخية، وتربوية، حقنت في ضلعه أسباب النمو النفعي، والانتماء إلى جيش من الرغبات الغريزية البدائية.
النفعي شخص حالم بمملكة لا يؤمها بشر وأهم أنه السلطان، صاحب الصولجان، والبيان، والبنان، والبنيان، ولا يفيق ولا ينهض من تحت ركامه هذا إلا بعد صدمة أو لطمة أو غمة، أو نقمة.
النفعي لا يعترف بالمثل العليا، وإنما يؤمن بكتل الشحنات العدوانية التي تغيب في داخله وتحفزه عبر جهاز ريموت كونترول غرس في داخله، ويعمل أوتوماتيكياً ومن دون توقف، أو حتى أخذ قسط من الراحة.
النفعي شخص فارق الحياة منذ زمن بعيد، والذي نراه أمامنا هو شيطان النزعات الفردية والأنانية الذي يعمل بقوة، وبطاقة نووية هائلة، ولا يعي النفعي ما يفعل إلا عندما يحدث خطأ تقني داخلي ويتسرب الإشعاع الخطير، ويطيح صاحبه.
النفعي يظل يضرب الأرض بأخفاف ثقال ترج الأرض رجاً، وتهز الجبال هزاً، ولا يلتفت النفعي إلى الوراء، لأنه ليس لديه ما يفكر فيه سوى نفسه، إنها اللذة المبتغاة، إنها الرغبة الجامحة التي تقود جياده، وتشد حبال نياطه، وتدفعه بطاقة قصوى، ليس لها رد ولا صد.
النفعي لا وطن له، ولا دين، ولا أسرة، ولا وظيفة غير الرغبة التي تورمت، فأصبحت جبالاً من الأورام وأصبح النفعي كتلة من الألم في محيطه الاجتماعي. النفعي كاهن بارع، لكنه لا يسوق إلا لتجارة بائرة، أنه يدفع بالتي هي أسوأ في حق الآخرين، لكي ينجو هو من الكبوات، ولكي لا تعرقله نجاحات الآخرين.
النفعي مبدع في المراوغة، بليغ في المجادلة، فطن إلى درجة الحكمة، إنه مثل الخيط الرفيع، يدخل في أضيق الثقوب، ويتوغل في أحلك المواقف، إنه أخطبوطي، هلامي، لا تراه العين المجردة عندما ينسل في الصفوف، ولا تسمعه الآذان عندما يوشوش، إنه يتربص الفرص، ويتحين اللحظات الحاسمة، ولا يكل ولا يمل من الولوج ثم الخروج، أفكاره مثل حركة البندول، تأتي وتذهب ولا تزول، لأنها أفكار الكائن الخرافي النفعي يمتلك قدرة الاختفاء والبروز، ويمتلك إمكانية التعالي والخنوع، إنه محض سراب مخادع، لا تكتشفه الأعين إلا بعد «خراب البصرة». النفعي مستعد لتخريب العالم، بشرط ألا تمس رغباته بسوء، النفعي مستعد لأن يدمّر الحياة على وجه الأرض، بشرط أن تبقى أحلامه زاهية لا تغشيها أضغاث رثاثة.
النفعي أبلغ إنسان في التحدث عن التضحيات والإيثار، والتفاني، لأنه يريد من وراء ذلك الخداع، وزج الآخرين في المصطلحات، ليتفرغ هو في القضاء على الزرع، والضرع.