بقلم : علي أبو الريش
أن تنضوي القراءة ضمن جهود مؤسسية، وأن يصبح البرنامج القرائي ضمن استراتيجية تقوم على علمية التوجه وقانونية العمل الرسمي، فذلك يضع الجميع أمام مسؤولياته الوطنية والتزاماته الأخلاقية.. هنا يلغى الجهد الفردي، وتزاح الانفعالات العاطفية، والعمل الانطباعي بعيداً عن مرمى السياسة العامة.. وبالفعل فقد كانت السنوات الفائتة تخوض في سراب الجهود الفردية، ما جعل العمل الثقافي يسير كناقة عرجاء، تتقدم خطوة وتتراجع خطوات، لأنه من الطبيعي أن يسبغ العمل الفردي بألوان المشاعر الذاتية، والخصومات والتشققات في الروح، إلى جانب أن أي عمل فردي مهما بلغت براعته، يظل ناقصاً وقاصراً على معنويات وقدرات الفرد الواحد، لذلك فإن القانون السامي من القيادة الرشيدة سوف يدحض كل ما شاب الماضي من شوائب، ويبعث من جديد بطاقات وإمكانيات المؤسسات المعنية بهذا الشأن، وسوف يجعل من العمل الجماعي والمؤسسي الكون الواسع والشاسع الذي يلم شتات النجوم، ليضعها في وعاء الوطن الواحد، ويأخذها إلى حيث تلمع السماء، ويصفو البحر، وتورق أشجار الصحراء، ويشمخ الجبل.. ونحن على يقين من أن الوزراء الأفاضل الذين أنيطت بهم مسؤولية النهوض بالعمل الثقافي، هم أعمدة في هذا المجال، وهم يملكون الكفاية والدراية، والقدرة الفائقة التي ستجعل من العمل الثقافي مساحة خضراء، تغرد فيها طيور المحبة، وترفع غزلان الوفاء.
نحن بحاجة إلى قراءة، تمعن في تلوين السطور، بألوان الشجر والحجر والبشر، لأننا لا يمكن أن نعيش في دائرة تغلق المحيط، ليصبح بحيرة لا تعيش فيها إلا بقايا أسماك وكائنات ضئيلة.
نحن بحاجة إلى ثقافة تتسع القارات، والسماوات والأرض، لأن الكون لم يخلق لجنس من البشر من دون الآخرين، الكون هو بيتنا وهو هويتنا وهو سمتنا وهو غيمتنا وخيمتنا، ونعمتنا، وفضيلة مشاعرنا، ومن لا يحترم الآخر يصبح بلا هوية، ولا روح، وقد قالها سارت «الآخرون هم الجحيم لكننا لا نستطيع أن نعيش خارج هذا الجحيم»، هذا الفيلسوف العدمي الوجودي لم يستطع أن يخرج من إطار الآخر على الرغم من فردانيته، لأنه ما من أحد يستطيع أن يبني هوية ذاتية دون وجود الهوية الأكبر، هوية الإنسان أينما كان.. نحن بحاجة إلى هويتنا الثقافية، المنسوجة من حرير الكون الكلي، المسكوبة من سماء البشرية، والثقافة وحدها التي تبني عش الهوية الصحيحة المعافاة من درن الحقد والكراهية، وضحالة الوعي وضآلة المعنى، نحن بحاجة إلى القراءة، لأنها الوعاء الذي يزخرف الثقافة، ويجعلها وردة بيضاء من غير بقع سوداء.