بقلم : علي ابو الريش
الشخص المستبد، مستمد قوته من ضعفه، ومن الزجاجة المهشمة في داخله. عندما تجد شخصاً يقتل آخر بدم بارد، ويفتح شدقيه بابتسامة واسعة، تقول إن هذا الشخص شجاع إلى حد الصرامة، قوي إلى حد الحزم، حازم إلى حد الجزم. ولكن عندما تتأمل وجه هذا القاتل، وتتقصى التجاعيد على جبينه، ثم تتعرف على تاريخه الشخصي، تكتشف أنه إنسان مكتنز بمشاعر أشبه بنثار الغبار، أشبه بحثالة قهوة باردة، أشبه بنخالة بذور تالفة.
القاتل يعاني من تشوهات تربوية، ومن شروخ في الوجدان، ومن طفح في الذاكرة ومن نتوءات في الثقافة، ومن بثور في الأحلام. هذا الشخص مثبت عند مرحلة مأساوية في حياته، هذا الشخص يواجه مأزقاً أخلاقياً، وأزمة معتقد. لا يقدم على القتل إلا من واجه قتلاً في تطلعاته، وطموحاته، إنه شخص مكبوح، وقد غطست أجنحته في بقعة زيت هيضت قدرته على الطيران، ومسخت قدرته على التحليق.
هذا الشخص واجه في مرحلة من مراحل العمر، كتلة صخرية، أصابته بالدوار، مما جعله يسير في العالم بلا بوصلة توازن فهمه للعلاقة مع الآخر.
هذا الشخص محتقن بصدمة نفسية قاسية، جعلت أفكاره مثل فرائس فرت من قسورة، جعلت من قناعاته مثل رمال متحركة، جعلته خائفاً لا يستطيع أن يثق بنفسه ولا بالآخر، مما يضطره إلى التخلص من الآخر، وكلما أقدم على جريمة نكراء، كلما انتابته قشعريرة الفوز، وكلما ظفر بقتل إنسان بريء، شعر أنه تحرر من كتلة ثقيلة ترهق كاهلة، وتثقل عاتقه.
المستبد يستمد قوته من تاريخ ملوث بالخوف، ومغطى بظلام دامس، وواقع شخصي عابس. المستبد تعتريه حالة من التضور الدائم، والحاجة
إلى التعويض عن نقصه، بالفتك بالآخر، وهو واقع تحت سطوة صورة خرافية، دخلت غرفة العقل، بفعل فاعل مجهول تقديره هو.
المستبد، محاط بجدار وهمي سميك مفاده أن الآخرين هم الجحيم، ولم يستطع إكمال عبارة سارتر، أي أنه «لا يستطيع العيش خارج هذا الجحيم.
المستبد استولت عليه فكرة وهمية، ولم يستطع التحرر منها، لأنه أضعف من أن يفلت من قيد الأفكار الشائكة، والأفكار المهلكة.
المستبد خرج من كنف أفراده تحيطهم هالة غائمة، ومكفهرة، إلى درجة أنهم يعيشون في مكان واحد، لكنهم لا يرون إلا أنفسهم، وكلما كبر هؤلاء الأفراد، كلما اتسعت الشقة بينهم، وكلما كبر الورم النفسي في أذهانهم.
المستبد، جان، ومجني عليه، هو الضحية والمجرم. المستبد، ضعيف إلى درجة أنه لا يعي ضعفه، لأنه لا يعرف مصدره.
المستبد، يبحث عن السعادة من خلال تعاسة الآخرين المستبد، محروم من الفرحة ولا يجد ساعدته ألا عندما يتعس غيره.