الحب في زمن كورونا «3»

الحب في زمن كورونا «3»

الحب في زمن كورونا «3»

 صوت الإمارات -

الحب في زمن كورونا «3»

علي ابو الريش
بقلم - علي ابو الريش

اكتسبت وقتاً طويلاً حتى تفتح عينيها على العالم وترى الوجود كما هو. توقفت عند مفصل الشارع المؤدي إلى السوق الكبير، ونظرت إلى حشد من الكمامات والقفازات التي تملأ وجوهاً بدت أشبه بالأشباح أو الكائنات الفضائية، اقشعرت فرائصها وهي تتأمل المشهد، وكأنها عابر سبيل مر بمضارب قوم تبعثرت نياقهم إثر عصف، ونسف.

تمرّغت المرأة بحوض أفكار كسيوف جاهلية، حاولت أن تدرأ عن نفسها خطر المثول أمام حشرجة المكان، ولكن عندما تتعثر بالصور الجاهمة، تنتابها أعاصير المباغتة، فتنكص إلى مراحل طفولية، وتفتح صفحات كتاب «مزنجل» بعبارات مدهشة، وجمل شعرية يهش لها القلب، ويبش.

عندما دخلت المحل التجاري الفخم، كان خاوياً، كان يلملم أشياءه الصغيرة، وتفاصيل أحلام كانت زاهية بجلال ما رتعت به غزلان الحياة من عشب العطاء الذي ما كان له أن يذبل لولا حدوث ما حدث.

في محل بيع الإكسسوارات، مرّرت أناملها الرقيقة على سوار من ماركة عالمية فارهة، ونظرت إلى البائع الذي ترقب طلبها بشغف التجار الذين ألمّت بهم جائحة الانحسار المريع.

بعد برهة من تقليب المشاعر بين هذه القلادة وذاك القرط وهذا السوار، استقر رأيها على نوعية حركت لب الفؤاد، واستدعت لحظة من لحظات العمر، كانت تقوم بالتجوال بين هذا المحل وذاك من قطع أنفاس تحت وطأة قماشة باتت مثل صبغة الجدران المقشرة أو قفاز جثم على اليدين، فأخفى إبداع الخالق في خلقه.

خرجت من المحل، وغذت السير إلى رواق دلها على محل لبيع الأقمشة، كانت المرأة وجلة، ويجفل قلبها كلما اصطدمت بوجه مقنع، وأصبحت كأنها تجوس في غابة، ويطاردها شبح الخوف، فكّرت بالهروب، فكّرت بالفرار، لأن الحلم الأبيض، غشّته غلالة قاتمة، هيّضت فيه أجنحة التحليق من دون رجفة أو رعشة، من دون وجل أو ضجر، فهذا الصباح الـ «كوروني» لا يبدو عليه أنه سينجلي، طالما بقيت الأجساد تتلاطم مثل الأمواج، وصارت رغبات التمرد على الحقيقة مطلقة اليدين.

عند مفترق طرق، لمحت صورة المطعم الذي طالما ارتادته بمشاعر مفتوحة على العالم، وكان رفيق الدرب يتأبط ذراعها ويأخذها إلى هذا المكان الشاعري، ويجلسان معاً متقابلين، كانت عيناه تشع بوميض حلم بهي، وكلماته تفيض بالعذوبة.

اشتاقت إلى زمن، وضجرت من زمن، فضمر قلبها حتى أصبح كقطة مريضة، فأسرعت خطواتها، خافقة بألم مبرح، مزّق صدرها، وهي تنظر إلى الباب الزجاجي وقد علقت عليه لافتة كتب عليها، مغلق حتى إشعار آخر.

رائحة المشاوي اختفت كما تختفي النجوم تحت قماشة سحابة داكنة، ومشهد الناس الذين كانوا يدخلون ويخرجون، قد توارى خلف حجب الفراغ المبهم. المكان أصبح جزيرة مهجورة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحب في زمن كورونا «3» الحب في زمن كورونا «3»



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 00:23 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 08:23 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 20:55 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الهجرة الكندي يؤكد أن بلاده بحاجة ماسة للمهاجرين

GMT 08:24 2016 الأحد ,28 شباط / فبراير

3 وجهات سياحيّة لملاقاة الدببة

GMT 03:37 2015 الإثنين ,08 حزيران / يونيو

عسر القراءة نتيجة سوء تواصل بين منطقتين في الدماغ

GMT 22:45 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

استمتع بتجربة مُميزة داخل فندق الثلج الكندي

GMT 02:49 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

ليال عبود تعلن عن مقاضاتها لأبو طلال وتلفزيون الجديد

GMT 04:52 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

"هيئة الكتاب" تحدد خطوط السرفيس المتجهة للمعرض

GMT 04:47 2018 الأربعاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

شادي يفوز بكأس بطولة الاتحاد لقفز الحواجز

GMT 18:39 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل الأماكن حول العالم للاستمتاع بشهر العسل

GMT 17:16 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وعد البحري تؤكّد استعدادها لطرح 5 أغاني خليجية قريبًا

GMT 05:14 2018 الخميس ,04 تشرين الأول / أكتوبر

إيرباص A321neo تتأهب لتشغيل رحلات بعيدة المدى
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates