بقلم : علي أبو الريش
اعتاد الإنسان على عملية الإزاحة والتحويل، لينفض عن نفسه مسؤولية ارتكاب الخطأ، فعندما تبتئس الزوجة من تصرفات الزوج تجاهها، فإنها فوراً تحيل الأمر إلى سوء تصرفات الزوج في علاقته معها، وكذلك الزوج عندما يشعر بالإحباط في مسيرته الزوجية، فإنه يلقي باللائمة على التي تشاطره المكان والزمان، وبالتالي تصبح المسألة مرتبطة مباشرة بالهروب إلى الخلف، نحو خلق المسافة الفارقة بين الحقيقة والخيال، ومعضلة الإنسان الرئيسة هي الخلط ما بين الأضداد، وذلك لهدف التحلل من مسؤولية ترتيب الفناء الاجتماعي من نفايات علقت به، وأصبحت السبب في تلويث الأجواء، وتحطيم الثوابت، وزرع التشققات في الجدران.
اليوم وبفعل التطور الاجتماعي والنقلة الحضارية الفارقة، تفاقمت الكثير من الأمواج العالية، وعصفت الريح في الوجدان البشري، وصار من الصعب تهدئة الريح إذا لم تتوافر الحصانة الداخلية، ولم تقف الإرادة موقفاً إيجابياً، ولم يتسع الوعي بأهمية أن نكون حاضرين في الوجود، كما ذكر الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر. نعم فنحن أمام ذروة قصوى لمشاكلنا إذا لم نتحد عناد الذات، ولم نلجم أنياب الأنا، ولم نوافق على أننا لسنا وحدنا في هذا الكون، وأن هناك آخر يستحق أن نشاطره ماء النهر، كي يسقي الجميع أشجار المستقبل من دون هواجس الخوف، من طرف ما ربما يكون زوجاً، أو جاراً، أو صديقاً، أو زميلاً في العمل، نحن مسؤولون عن
نمو العشب القشيب في الحديقة، والتي تمثل هذه الدنيا، نحن لا يمكن أن نستمر في الحياة وحيدين، ونقول: (أنا ومن بعدي الطوفان)، فلن تمر القافلة في دروب فيها العشب يابساً، ترتسم عليه الأشواك، كما تجثم الأفاعي في الجحور المهجورة.
عندما نقول: (هذا ليس شأني)، فإننا نغلق الأبواب والنوافذ، ونلتئم وحيدين لا نرى غير أنفسنا وسط ظلام الغرف المغلقة، لنفتح الأفنية على آخرها، لنرى نجوم السماء كيف تضيء الحياة وهي تتراقص جَذْلَى، لأنها فتحت ستارة السماء على آخرها، ورحبت بالهواء كي يدخل إلى مأواها، لتشم رائحة الأثير في الكواكب الأخرى، وتحتسي من نعيم الله وجلال عطائه، ولنقول نحن البشر: نحن لسنا وحدنا، ونتضامن مع الآخر، لكونه الكل، ونحن الجزء فيه الإيجابي. لنتحمل مسؤوليتنا، فلن تكون هناك قضايا معلقة على مشجب كسول وبائس، لن تكون هناك وجوه عابسة، ولا نفوس تعسة، ولا قلوب محتبسة.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد