المتذمر

المتذمر

المتذمر

 صوت الإمارات -

المتذمر

علي ابو الريش

لو صادفك شخص، وقال لك، الشارع مزدحم كثيراً، وهذا الوضع يضايقني كثيراً، وكلما أذهب إلى السوق، وأدخل في الزحام، أشعر بالانقباض وضيق التنفس. ثم يضيف أنا أحب الأماكن المنشرحة، والتي لا تضج بالأصوات العالية.

مثل هذا الشخص، ضاقت به الدنيا بما رحبت، لأنه شخص منطو ومنعزل، وهو قادم من ماض، متصحر، وأشجاره مجرد أشواك، طالعة إلى «السما». مثل هذا الشخص، لا يرى نفسه بين الناس، هو تعود أن يكون، مثل شجرة الغاف، يعلو فوق تلة رملية، عالية، ويستشرف الصحراء من بعيد. إذاً كيف يمكنه بناء علاقة سوية مع الآخر، وهو لا يملك غير مضغة قلب أشبه بقماشة قديمة، أحرقتها أشعة الشمس اللاهبة. إنه شخص ممزق، ومحترق، ومستهلك، لا يفي بغرض الوجود، أي أنه لا حاجة للوجود، لكائن خاو ومهشم، ومحطم، ومندلق على الحياة، مثل ماء مسكوب على أرض رملية. وعندما يشعر الإنسان أنه فائض عن الحاجة يصاب بالغثيان، ويشعر بدوار، يطيحه بعيداً عن منازل الأحياء.

المتذمر شخص ميت، لكنه مجبر على المشي، لأنه يملك قدمين، ولكن هذه الخطوات باتجاه الآخر في كثير من الأحيان تأخذه إلى مناطق بعيدة ومزدحمة بالنقائص، ولأنه الحامل لهذه المواد السامة، فإنه يحاول أن يتخلص منها بطريقة، فنية، مدعومة من الأنا الماكر، فيحمل عبء المشكلة على المكان الذي يسير فيه، وهذه حيلة من حيل الأنا الداهية، عندما تحاصر بأزماتها الداخلية.

وهذا الكلام يتجلى أكثر وضوحاً، عندما يشمر الشخص المتذمر عن مشاعره، ويعلن سخطه من الواقع، ويعتبر ما يحدث من علاقات إنسانية، مسيئاً للقيم، ومجافياً لحقيقة الحياة، ومنافياً للمبادئ، والأعراف.

ويبرز هذا الشعور أكثر لدى الشخص الذي ينتمي إلى فئة أو جماعة دينية، فيتخذ من الدين ذريعة، لمناهضة الواقع ومحاربته، ويعطي نفسه كل الذرائع والحجج، والأعذار، لذلك نجد أن الشخص المتذمر، هو عدائي في الأساس، ويتطور هذا الشعور الشاذ، ليصبح كتلة من الجحيم، والتي تهبط على الأرض بزلزلة وجلجلة، وتبيد ولا تحيد عن سلوكها، مهما بلغ من محاولات إطفائها، لأن العدواني، اتخذ قراره، وأعلن عن إصراره على البقاء، في منطقة المناوءة، لأنها المنطقة التي تلائم الشخصية العدائية.

وبمنطق حرق المحيط، لتبقى الأرض ناشفة وبلا بلل، حتى يتسنى للعدواني، المتذمر أن يرى العالم من خلال التلة المزيفة. ويستمر العالم في خوض معركة المصير، ودفاعاً عن الوجود، وهذا واجب إنساني، بحكم أن الإنسان هو راعي الوجود، كما يرى هايدجر.

وهذا الدور يحتاج إلى حركة تنويرية، عالمية، تتحالف وتتكاتف، لدرء الخطر الانعزالي والمخلب الشوفيني، ولأجل إنسان، كرمه الله على سائر خلقه، وعليه أن يحتفي بهذا التكريم بمحاربة التفكير الضيق، والمشاعر الضحلة، لأنه ما من تنمية بشرية أن تنجح، في وجود من يحاربون العقل، ويقفون ضد الحياة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المتذمر المتذمر



GMT 19:41 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أزمات إقليمية جديدة

GMT 19:23 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

قيصر روسيا... غمزات من فالداي

GMT 19:19 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

المفهوم الايراني للانتخابات... والعراق ولبنان

GMT 19:14 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

رسالة مناخية ملهمة للعالم

GMT 23:17 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

ظهورُ الشيوعيّةِ في لبنان

GMT 21:45 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 20:00 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

مطعم "هاشيكيو" الياباني يغرم كل من لا يُنهي طعامه

GMT 13:11 2019 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

"جيلي الصينية" تكشف مواصفات سيارة كروس "جي إس"

GMT 05:09 2015 الخميس ,05 آذار/ مارس

انطلاق فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب

GMT 05:58 2015 الثلاثاء ,10 شباط / فبراير

سلسلة "جو وجاك" الكارتونية تطل عبر شاشة "براعم"

GMT 22:28 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

جورجينا رزق تبهر الأنظار في أحدث إطلالاتها النادرة

GMT 21:17 2017 الثلاثاء ,18 إبريل / نيسان

حارس نادي الشعب السابق ينتظر عملية زراعة كُلى

GMT 22:33 2013 الأحد ,28 إبريل / نيسان

"إيوان" في ضيافة إذاعة "ستار إف إم"

GMT 13:10 2013 الجمعة ,08 شباط / فبراير

الحرمان يطال 2.3 مليون طفل في بريطانيا

GMT 07:27 2020 الجمعة ,10 تموز / يوليو

"إم بي سي" تبدأ عرض"مأمون وشركاه" لعادل إمام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates