علي أبو الريش
عندما تقع السياسة في معطف الأيديولوجيا، وتختبئ في الجيوب الداخلية، تصبح مثل عملة فاسدة، تأخذ حيزاً من المكان ولكن بلا فائدة، عندما يوهم السياسي نفسه أنه يستطيع تغيير وجه الكون، لمجرد أن يضع يده بيد مشعوذ محتال، تصبح السياسة مثل شراع مثقوب، يخترقه الهواء، فتتهادى السفينة بين الأمواج المتلاطمة، أما السياسي فيكون مثل ربان ضيّع البوصلة، عندما يعتقد السياسي أنه يستطيع أن يمسك بتلابيب الشمس لمجرد امتلاكه وسيلة إعلامية، يضم المرتزقة والمشردين، والانتهازيين والمغرضين، فإنه بلا شك يا إما طفل غر، أو أنه رجل أصيب بزهايمر سياسي، عندما يتصور السياسي أنه يستطيع اللعب على المتناقضات والمصالح، برغم صغر حجم بلده وقد لا تشكل مثقال ذرة، بالنسبة للتوازنات الدولية، فإنه كمن يخاطر في السباحة في لجة محيط، فقط سعياً لتحقيق البطولات الوهمية.
عندما يرى السياسي باتكائه على قوة الآخرين، فإنه يستطيع أن يبطش، ويعقد المؤامرات ضد كل من لا يروق له، وينسى أن المصلحة التي تجمعه مع هذا وهذا، هي نفسها التي تجمع الآخرين معه، وفي لحظة انجلاء المصلحة، فإن ظهره سيكون عارياً وصدره مثل زبد البحر. عندما يخوض السياسي معارك خيالية، ليضرب هذا وينهش ذاك، مستفيداً من الفوضى التي تعم محيطه، فإنه يقع في الحسابات الخاطئة، عندما يعتقد بدوام الحال.
ما تفعله الآن قطر، وما تبثه «جزيرتها» من سموم ومغالطات، القصد منها التشويه والتشويش، كل ذلك نحن على يقين سوف ينقلب السحر على الساحر، وبعدها لن يفيد الندم، لن يشفع لأي سياسي قطري سواء من قمة الهرم حتى قاعدته «كلمة المسامح كريم»، لأن الأخطاء التاريخية ضد الشعوب والأوطان ليست مسألة قابلة للاحتمالات، ومحاولات التصحيح بعد وقوع الخطأ.. كثيرون أخطأوا وكثيرون أزالوا بلداناً عن الخارطة، وكثيرون تصوروا أن اللحظة الراهنة هي الزمان كله، فلذلك يجب أن يستفيدوا منها، ولكن بعد فوات الأوان، اكتشفوا أنهم كانا مثل نرجس الذي شاهد صورته على سطح ماء البئر، فأعجب بنفسه، فقرر القفز داخل البئر، فإذا به ينتهي إلى لاشيء والغرور والطيش، وسياسة خالف تُعرف، قد تؤدي إلى كوارث، وتفتح أبواب جهنم في وجه من يشعل مثل هذه الحروب السياسية. ما يحدث في الشقيقة قطر هو شبيه بهذا، أو ربما كل هذا، ولذا فإننا نعتصر ألماً عندما نرى هذا الانحراف في حاد الزاوية عن الحقائق، والثوابت والأسس الأخوية والسياسية، نشعر بالألم لأنه لا ذنب للشعب القطري أن يعاني من سياسات بلاده التي لا تخدم مصلحته أبداً، بل تقوده إلى مصير مجهول، وكان الله في عون هذا الشعب.