هل فكر السجين قبل أن يصفد

هل فكر السجين قبل أن يصفد؟

هل فكر السجين قبل أن يصفد؟

 صوت الإمارات -

هل فكر السجين قبل أن يصفد

علي أبو الريش

بين الجدران العالية، تحت السقف المسفوف بالرهبة، وأمام خلاخيل الجحيم، تنظر إلى السجين، إلى هذا المخلوق الذي أصبح إنساناً آخر، له ظهر منحنٍ، ورأس، يقبع في داخل الفراغ الوسيع، وعينان لا تريان غير الأفق المسدود. تقول في نفسك، هل فكر هذا الإنسان، قبل أن يرتكب جريمته في هذا اليوم الذي يصير فيه مقيداً يحكمه قانون، أحد من طرف السكين، هو كائن بلا مشاعر، هو مصطلح بشري، صاغه العقل، ليكبح رغبات بشرية، تسبح في الحياة مثل نسور جبلية، قسوته تنبع من عدالته، وحدته تحضر عندما تكون الرغبات مثل الفيض الملوث، والنفوس، مثل الطوفان، تحتاج إلى سد منيع يدحض سيلها، وغليلها. في حالة ظرفية قد تجد نفسك محاطاً بمشاعر مختلطة ما بين التعاطف والاشمئزاز، من شخص وقع في فخ الجموح الأخلاقي، فسقط في الوحل وجاء به القانون كي يلفه بطوق المعدن الرهيب، وتصبح القدمان، مثل عصاتين مربوطتين، مرساة الأعماق الغائرة، واليدان اللتان امتدتا للسرقة أو القتل صارتا جناحين مكسورين.

وكل غطرسة النفس الأمارة استحالت إلى قشة على ظهر موجة عارمة. القانون كائن بجلد جاف، لكنه أنبل من كل الطموحات، وأجمل من كل الخيالات والأحلام، لأنه يرسخ ماء النهر، ويثبته كي لا يذهب بعيداً عن الأشجار، ويمنع العصافير الحمقاء من العبث في ثمار الحياة. حقيقة تنتابك مشاعر التعاطف مع المغلل بالأصفاد، ولكنك سرعان ما تزف التهاني للقانون، وتقول له شكراً لك أيها القانون، لأن عصاك هي التي منعت العاصفة من ارتكاب جريمة قتل أو سرقة.

القانون وحده الذي يضع الثمرات على أغصان الشجرة الإنسانية، وهو الذي يحرسها، ويمنعها من السقوط. القانون هو فكرة الموجة في تنظيف الشواطئ من بقايا عظام لأسماك ميتة وقواقع ومحارات تالفة. عندما تتأمل وجه المخلوق المصفد، تتحاشى خطأ النظر بلا ذاكرة، لأنها وحدها التي تعطيك الدرس، وتمنحك القدرة على الفصل ما بين اللحظة الآنية، وما قبلها. فكيف كان هذا الشخص الذي أمامك، وكيف أصبح، فهذا من فعل القانون، وتصرفاته النبيلة، التي حولت المتغطرس إلى حمل وديع يطلب الرأفة.

القانون وحده الذي يضعك في المسافة ما بين المجرم والجريمة، وما بين الجاني والمجني عليه، حينها تعرف أن المجرم لو فكر بالعقل قبل ارتكاب جريمته، لما أقدم على الفعل المشين، ولما سمع قعقعة المعدن المهيب في معصميه.

نقلا عن الاتحاد 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل فكر السجين قبل أن يصفد هل فكر السجين قبل أن يصفد



GMT 19:41 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أزمات إقليمية جديدة

GMT 19:23 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

قيصر روسيا... غمزات من فالداي

GMT 19:19 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

المفهوم الايراني للانتخابات... والعراق ولبنان

GMT 19:14 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

رسالة مناخية ملهمة للعالم

GMT 23:17 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

ظهورُ الشيوعيّةِ في لبنان

GMT 21:45 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 20:00 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

مطعم "هاشيكيو" الياباني يغرم كل من لا يُنهي طعامه

GMT 13:11 2019 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

"جيلي الصينية" تكشف مواصفات سيارة كروس "جي إس"

GMT 05:09 2015 الخميس ,05 آذار/ مارس

انطلاق فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب

GMT 05:58 2015 الثلاثاء ,10 شباط / فبراير

سلسلة "جو وجاك" الكارتونية تطل عبر شاشة "براعم"

GMT 22:28 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

جورجينا رزق تبهر الأنظار في أحدث إطلالاتها النادرة

GMT 21:17 2017 الثلاثاء ,18 إبريل / نيسان

حارس نادي الشعب السابق ينتظر عملية زراعة كُلى

GMT 22:33 2013 الأحد ,28 إبريل / نيسان

"إيوان" في ضيافة إذاعة "ستار إف إم"

GMT 13:10 2013 الجمعة ,08 شباط / فبراير

الحرمان يطال 2.3 مليون طفل في بريطانيا

GMT 07:27 2020 الجمعة ,10 تموز / يوليو

"إم بي سي" تبدأ عرض"مأمون وشركاه" لعادل إمام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates