علي ابو الريش
عندما تصبح الحياة مثل السحابة، قد تمطر أو لا تمطر، يصبح الحب مزيفاً، ويصبح الإنسان مثل باقة الورد البلاستيكية، فيها صفات الوردة الشكلية، ويغيب عنها الجوهر الحقيقي، وهو النمو، والازدهار.
أنت في الحب الحقيقي، تنمو حباً وانتماءً، وتعيش الحب ولا تتملقه. في الحب الحقيقي، يتوهج القلب، ويتلاشى التفكير لا يمكنك أن تحضر في القلب، ما دمت حاضراً في التفكير. التفكير كائن أناني، وغيور لا يسمح لك أن تحضر في القلب، وبالتالي لن يدعك تحب حباً صادقاً، وحقيقياً. التفكير متحدث لبق وذكي، وماهر في خلق الصور البديعية، واختلاق المحسنات الجمالية.
القلب على العكس من ذلك، فهو صامت، وعفوي، وبديهي، وفطري لا يفهم المراوغة والجدل، ولا يعرف طرق سبل الأدغال، والأحراش، إنه مثل النهر، يعرف تماماً منبعه، ومصبه، ولا يذهب مذهب الالتواء، والانحناء، فطريقه طريق السواء. عندما يقول لك شخص أنا أحب وطني انظر إلى قلبه، وغص هناك في البئر العميق، انزل في القاع، ولا تنتظر من الكلمات أن تدهشك، أو تغريك إن اللغة من نتاج العقل، فهي أيضاً مخادعة، وماكرة. الصمت وحده دليل ذلك اللمعان الذي يصدره قلب المحب.
المزيفون كثيرو الكلام، أثرياء في اللغة، أغنياء في صناعة المعاجم التاريخية، هؤلاء يفيضون، بالزيف، والهراء، والزبد، والضباب، والسراب.
الحب الكبير يحتاج إلى فناء، واسع لا يملؤه الضجيج، الحب الكبير، يحتاج إلى فيضان مشاعر وليست كلمات تخرج من الأفواه دون أن تغتسل بماء القلوب. القلوب أنهار، من لا يرتشف من نبوعها، لن يشعر بعذوبة الحب. قد تكذب على زوجتك، وتقول لها كم أنا أحبك، قد تكذب على صديقك، وزميلك في العمل، ومديرك، ولكن تتكشف الكذبة لمجرد الخلاف البسيط، مع الزوجة أو الصديق أو الزميل، أو لمجرد أن يغادر المدير منصبه لسبب من الأسباب، ولكن الوطن هو العنصر الوحيد الذي لا يمكن إخفاء الكذبة عنه لأي سبب من الأسباب، لأن الوطن لا تسكنه، وإنما يسكنك، وإذا كذبت وراءيت، وماريت، فإن قلبك يتدخل ويفشل الكذبة. في حب الوطن، فقلبك دليلك، والذين يزيفون حب الوطن، ترى الزيف بازغاً في رفرفات عيونهم، تراهم مثل الأعشاب الشوكية، ناتئة، وشاذة، ومنحرفة عن واقع الحال.
المزيفون، طلائع غدر ونفاق، هم يصطفون مع أعداء الوطن، بل هم الأخطر، على الوطن، لأنهم يطلعون عليك بوجوه الشياطين، يدلسون، ويندسون، ويهرطقون، ويزندقون، ويماطلون، ويخاتلون، ويلونون الحقائق، بألوان الرماد.