بقلم - علي ابو الريش
كثيراً ما نثاب على عيوبنا، وليس على حسن خصالنا، وكل ذلك يعتمد على القيم العامة التي تسود المحيط، وعلى المساحة التي يحتلها النفاق في هذا المحيط، الناس يعشقون عيوبك ويؤيدونها، لأنهم يريدون إخفاء عيوبهم خلف ملاءتها.
الناس يَرَوْن في عيوب غيرهم غشاء ليلياً تبيت تحته عيوبهم بطمأنينة وهدوء، من دون تأنيب ضمير، أو توبيخ نفس، أو إحساس بالنقص جراء ارتكابهم لخطأ ما.
الناس يشعرون بالارتياح عندما يكثر من حولهم أصحاب العيوب، فيبتسم المختلس عندما يسمع عن شخص اختلس مبلغاً من المال، يتجاوز ما اختلسه هو، فيقول لنفسه هذا شخص جريء، بل أكثر جرأة مني، ثم يبتسم، ويقول معجباً بالمختلس: «عافاك أيها الرجل الشجاع»، ثم يسيل لعابه وتحدق عيناه لجولة جديدة قد تفضي إلى مكسب أكبر، يضاهي ما اختلسه غيره.
ولكن لهذه الإثابة وجهين أحدهما مر، والآخر أمر، وفي كليهما نفس شريرة، تُمارس ضياع القيم تحت حزمة من المبررات والأعذار الواهية والمسوغات الوهمية، كل ذلك يحدث أمام عين وسمع أنا بشرية أجَّلت فعل الضمير إلى إشعار آخر، قد لا يأتي البتة، وقد لا يصحو الضمير أبداً، وهذا ما يحصل في أغلب الأحيان، لأن المكاسب الوهمية تطغى على أي تأنيب، وتتجاوز حدود الممكن إلى اللا ممكن، ما يضع الضمير في هذه الحالة مجرد قصاصة ورقية، يعبث بها طفل مشاغب، ويلقيها في كوب الشاي بدلاً من أن يلقيها في سلة المهملات.
الضمير عندما يؤجل حفظ القيم السامية، يصبح مثل تلميذ غبي يقبل توبيخ معلمه، ولا يقبل تنفيذ ما يطلب منه، لأنه يشعر في الإهمال منطقة استرخاء تعفيه من تأدية المهمات الصعبة، وبذلك يكون قد خرج من دائرة السؤال اليومي الذي يطرحه العقل، من أنا؟ ومن لا يعبأ بالأسئلة، يكون خادماً مطيعاً للإثابات الخادعة، فيكون خطاءً بلا أوبة ولا توبة.
في حالة الخطأ، ستجد الذين يثيبونك كثيرين، والأقل منهم بكثير هم الذين ينصحون ويؤنبون، لأن خطأك يشجع الخطائين على المزيد من الأخطاء، ويدفعهم على مواربة أخطائهم خلف خطأك، فيندفعون وراءك وهم مأزورون بالثقة، بأنهم ليسوا وحدهم في الدائرة السوداء، إنهم يشتركون مع غيرهم في الخطيئة، إذن فهم في المنطقة الآمنة التي لا يصلها عقاب.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن جريدة الاتحاد