من قال لا أعرف فقد أفتى

من قال لا أعرف فقد أفتى

من قال لا أعرف فقد أفتى

 صوت الإمارات -

من قال لا أعرف فقد أفتى

بقلم : علي ابو الريش

نحن نتكلم كثيراً ولا نقول شيئاً. فقد كثر المفتون والمحللون والمنظرون والمفكرون، فضاعت الأفكار، وأصبح العالم مثل حشرة تائهة في عصف ريح عاتية.

في هذا الظرف الإنساني المزدحم بالأفكار، يضيع الفرد في جحيم الحيرة، ويتلاشى مثل غيمة خاطفة ولا مطر.
لا أحد يقول لا أعرف، لا أحد يستطيع أن ينزل إلى منزلة سقراط العظيم، ولا حتى يسوع الذي قال إن كل ما أعرفه بحجم حبة الرمل، والذي لا أعرفه بحجم رمال العالم. هذه معجزة العباقرة والرسل، وتلك فاجعة المفترين والمتهورين والمتقولين والزاحفين على الرمال المتحركة. لقد أفلت الحضارات البشرية واندثرت، وتلاشت وغابت عن الوجود، عندما ظهر من يقول إنني أعرف كل شيء. لقد أخفق فرعون عندما تهجَّم وتكبَّر وتزمَّت وقال لهامان أبن لي صرحاً لعلي أبلغ إله موسى، وانشق له البحر وابتلعته موجة التعنت إلى غير رجعة. وأصيب الإسكندر بداء الموت عندما بلغ به طغيان المعرفة، وصار لا يملك سوى لفافة مهترئة. وضاعت أطماع هتلر في صقيع سيبيريا، وتهشَّمت ألمانيا العظمى عند صخرة الهمجية، وكذلك موسوليني الذي كان نصيبه من المجد حبل المشنقة، وحتى ابن لادن الذي كان فجره المتخيل ينفتح في أعماق المحيط، ويترك كل أوهامه مثل أسراب الطيور المذعورة.

ماذا يريد العارفون غير الصعود إلى الهاوية؟ ماذا يريد الغارفون من وحل الخيال غير المزيد من التورم والتبرم والتأزم والتضرم والتشرذم والتفحم في فرن جحيم الأنا المتفاقمة والمزدحمة والواقفة عند حافة الأمنيات الغائمة، والجاثمة عند نهايات الفكرة الأليمة.

هكذا يفعل كل من يتصور أنه يعرف، ويتكلم ولا يقول شيئاً، هكذا يصير مصير كل من يسري في الليل البهيم مغمض العينين، ويظن أنه يرى ما لا يراه الآخرون، فيصطدم بالصخور، ويتعثر ويتبعثر ويتخثر، ويذهب إلى اللاشيء كأنه جرادة يتبعها دخان، وكأنه قارب مجته الموجة، وألقته عند ساحل متهور. هكذا ينال من يظن أنه اخترق السماوات والأرض، وجاء بسر الوجود، وتربع على عرش الحياة، وفي يده عصا موسى، وتحمله سفينة نوح، ليجوب أرجاء العالم، كأنه سحر سيدنا الخضر.

هكذا يصاب من يعرف ما لا يعرفه البشر، ويبقى أبد الدهر بين الحفر، يبقى في طوق الوهم، وفي زلزلة الهم، يبقى في حومة الغم يبقى في طارحة السقم. لا نستطيع أن نقول عن كل من لا يعرف إلا أنه يعرف، سوى أننا بحاجة إلى عالم حديد يذهب بنا إلى محيط لا تغشيه موجة القنوط والسقوط في واد غير ذي زرع، لا نريد أن نكون في صلب المفهومية الفارغة من المعنى، كل ما نريده أن نكون في قلب الحياة ونحن نتحلى بسندس البقاء عند منزلة الوعي، والخروج من دائرة الوهم.

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من قال لا أعرف فقد أفتى من قال لا أعرف فقد أفتى



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 19:42 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الدلو السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 10:03 2018 الأربعاء ,09 أيار / مايو

"بهارات دارشان" رحلة تكشف حياة الهند على السكك

GMT 11:22 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تظهر بوزن زائد بسبب تعرضها للأزمات

GMT 14:04 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد بن زايد يفتتح معرض فن أبوظبي 2013

GMT 06:44 2012 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نشر كتاب حول أريرانغ باللغة الإنكليزية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates