بقلم - علي ابو الريش
رق قلبه وهي تهمس له من خلف نقاب كورونا، فاستجدت عاطفة قديمة، خمدت تحت طائلة من أيام الرتابة، ونشطت مشاعر تجمّدت تحت نقطة الصفر؛ جرّاء المناوشات اليومية، وحروب البقاء من أجل الأنا المتوهّمة بعطاء لا تذل له يد، ولا يكل له بد.
في هذا الصباح وهو يتأمل عينيها اللوزيتين، الغارقتين في محيط الأسئلة الأبدية، أخفق الرجل في العثور على جسارته السابقة، فسعى إلى تلمس العذر، كي يهرب من جفوله السابق، فاضطر أن يخفض بصره ويصغي إلى كلماتها المسهبة، والاستماع بإمعانٍ لكل ما تفوه به، وتعلق به على أحداث مضت، وتستدعي صور الماضي بشيء من العتب الرحيم. وبينما المرأة تمارس طقس تبادل أنخاب الأحاديث اليومية، كان الرجل يفتّش عن مناطق الجمال في هيئة الزوجة، وهي لا تعد ولا تحصى، وقد اختفت لفترة زمنية، إثر سكون العاطفة في مضارب صحراوية جافّة، وأحياناً رطبة مالحة.
حاول أن يتذكر كلمة حب، فلم يعثر عليها، وظلّ ينبش في محفظة القلب، حتى عثر على كلمة بدت ذابلة مثل قصاصة ورقية مهملة، استخرجها، وظلّ يمسح على صفحتها، ويدلكها بيديه، ثم يمد البصر حيث لامس مهجتها، وقال برفق وحنان لم تشهد له مثيلاً من الزمن الجميل، يوم كان يغدقها بابتسامة أشف من عيني الطير، ويوم كانت تترقرق أمامه مثل حلم طفولي، وتمسح على مشاعره، مثلما تفعل الأنسام حين تلامس خد الطبيعة. أنسجت المرأة مع الحالة الراهنة، فألقت بوشاح الحرير، فتبين الرجل تفاصيل الكائن الخرافي أمامه، وهو يتجلّى بأحلام العفوية، ويتوّج مشاعره بقبّعة سماويّة مسهبة في الجمال. أنّب نفسه، وشعر أنه أسرف في التنائي، لمدة طالت حتى أصبح من الضرورة بذل ما يستطيع، كي يعيد الجدول إلى حيث تكمن الأشجار، وحيث ينمو العشب.
كان يوماً أصيلاً في زف الخبر اليقين بأن الحب لم يمت، وإنما كان ينتظر السقيا من لدن رجل حكيم، يفهم ما يختبئ تحت الجفون، ويعي أن الحياة لا تستيقظ غزلانها، إلا عندما يجتاح الغابة الزئير، فانتبه الرجل، وتقدّم خطوة، فتقدمت هي خطوتين، والتقى المضيق بالمحيط، وتحرّكت زعانف الحياة مرفرفة، محتفلة بأول يوم زفاف حقيقي، من دون طبول الزيف.
في صباح يوم جديد، عندما فتح عينيه، ونظر إلى المرآة، كانت قد أزالت الغبار وبدا وجهه مثل ورقة توت غسلها المطر، وصار قلبه يستمع إلى موسيقى خرافية لم يسمعها منذ زمن. التفت إلى المرأة التي تغيّرت.. وتغيّرت، وتغيّرت يداها اللتان أصبحتا جناحين يطوّقان أحلامه، فيمضي معها إلى أفق لم تلوثه العواصف، ولم تكدّره الأمواج الهادرة، ولم تضجره كلمات السخط، وعبارات الامتعاض.