بقلم - علي ابو الريش
بعض الناس يمر في الحياة، كمن يعبر ثقب إبرة، يزدحم، ويتفاقم، فينكسر، وينحسر ويندحر، وينفطر، ويظل في الضيق، كعصفور اختنق بفخ.
بعض الناس يمر في الحياة، كمن غطس في طست ماء، فاختنق، واحتنق، وانبثق عن حشرجة، ورجرجة، وبات يصفق للفراغ، كما هي الذبابة في عنق الزجاجة.
بعض الناس يمر في الحياة، وقد ملأ وعاءه بحثالة الأيام، ونخالة الأحلام، تصده عن الفرح مشاعر أشبه بنشارة الخشب، فتمنعه من الابتسامة، وتحرمه من التفاؤل، فيسير في المحيط، متأبطاً حزمة من قتامة، متأزراً فكرة أشد سواداً من عوادم عربات خربة.
بعض الناس يمر في الحياة، وقد نسي محفظة الحب عند قارعة ملأى بالضجيج الداخلي، فمضى بين الجموع يخفق بخاطر موبوء بفيروس الكراهية، ويدحرج في الحياة، ككرة نارية، ويسحب ذيل خذلانه، كأنه الأرنب المهزوم، يحاول أن يخرج من فوهة البركان، ولكن هناك مخالب ذاتٍ، تجره إلى مثواه، وتمنعه من التحرر من براثن سالفات الدهر، وما علق في مرآته من غبار، وما تراكم في صفيحته من صدأ.
بعض الناس، يمضي كما هو الأعمى، لا يرى غير خياله، فيصطدم بحصى غيه، وغيبوبته، فيتعثر، ويتبعثر، ويتخثر، ويظل في العدمية إلى أبد الدهر.
بعض الناس كائن جبل على حب القبح، فلا يرى في الزهرة جمالاً، ولا يرى في الوجود كمالاً، هو هكذا يمعن في عقدة النقص، ويغوص في لجة سوداء، غائمة، ويستمرئ الانحطاط، ويعشق السقوط في الحضيض، ويغط في الرضيض، ويسهر على إحصاء عدد الموتى من شرايينه، ويمضي في الحياة، كميت تأخر دفنه.
بعض الناس إله من خشب، يظن أنه الفرد الفريد، فلا يعجبه العجب، ولا الصيام في رجب، هو هكذا، في النشاز كائن، وفي الشذوذ مكون، وفي الحياة فطر سام، بعض الناس، مثل الزبد، تراه أبيض، ولكنه في الأصل خواء، وهراء، وافتراء على الحياة.
بعض الناس، ناعق، ناهق، غامق، ماحق، ساحق وجهه مثل خرافة تكمن في رأس مخلوق يقطن أدغال أفريقيا المرعبة.
بعض الناس لا يستطيع أن يفرح، لأنه لا يعرف شيئاً اسمه الفرح، ولأنه جاء من منطقة خيالية نشأت على ضرب طبول الحزن، وطرق أبواب المآتم، والعيش في نهايات التاريخ، ووضع الكمائن في مؤخرات الأذيال المبتورة.
بعض الناس مثل عملة كاسدة، لا يمكن لها أن تغني من كآبة الناس، كجمهورية فاشلة، تحارب الفراغ، لكي تبقى، وتستمر في الحياة.
بعض الناس جندي مهزوم، يعيش في أحراش المجهول، ويمضغ أوراق هزيمته. بعض الناس مثل حضارة قديمة، لم يبق منها سوى صور لأبطال، قضوا نحبهم.