بقلم - علي ابو الريش
نحكم على أشياء، ونتصرف على أثر أحكامنا، ونمضي في حياتنا ونحن على قناعة أننا على حق، ونخالف الآخرين، وقد نشعل نيراناً، ونخاصم ونكره، وقد نحب، وقد ننبذ، وقد نحتضن ونتعلق، وكل ذلك من وازع أننا نفعل ذلك بوعي، ودراية بما نفعل، وبعد حين، أو نتيجة لصدمة ما، نكتشف أننا كنّا نفعل ما نفعله بدوافع لا شعورية، مدفوعة من قوى داخلية أنتجها العقل الباطن، مستخدماً حيلة الباطنية البارعة والماكرة.
تقول إحدى الدراسات، إن غالبية الناس في هذا العالم، يتصرفون بدوافع غير مفهومة لديهم، وغامضة وقد لا يكتشفون ذلك البتة، وقد يكتشفون ما فعلوه في وقت متأخر، مما يرفع من حدة الألم الذي يتولى أمر تأنيبهم وتوجيههم، ولكن يأتي هذا الوعي بعد فوات الأوان، وبعد أن تكون العربة قد غرقت في الوحل، وغاص الشخص حتى أذنيه في الماء الضحل.. غالبية الناس يعيشون في حالة حلم ليلي لم تنقطع حلقاته، واستمرت حتى وقت نهاري طويل.
غالبية الناس على لذة الحلم، ويستمرئون الصور المبهرة التي يظهرها الحلم، ولا يودون الانعتاق من هذه المدهشات، ولا ينفكون من المشاهدة، لأنها تخرجهم من الواقع، وتبعدهم عن معرقلاته التي تسيء إلى مشاعرهم، غالبية الناس يفعلون ذلك لأنهم واقعون تحت سطوة اللاوعي، ولأنهم في قبضة مشاعر دفينة، غير معروف مصدرها بالنسبة لديهم، الأمر الذي يجعلهم يستمرون في الحلم، ويمارسون حياتهم مثل ما يفعل النائم أثناء الحلم.
المنتحر يفعل ذلك والذي يقود سيارته بسرعة جنونية في شارع مزدحم يفعل ذلك، والذي يعتدي على إنسان بريء، يفعل ذلك، والذي يكذب والذي يسرق والذي يخون يخون الأمانة والذي يرمي نفاياته في شارع نظيف.. الذي ينهر طفلاً بلا سبب والذي يحتقر خادماً والذي يسيء إلى جار، أو زميل، أو زوج، أو زوجة، أوصديق، كل هذه تصرفات لا تنبع عن وعي، ولو توقف الإنسان برهة وتأمل كل خطواته، وتصرفاته في اليوم الواحد، سوف يكتشف أن هناك قوة بغيضة، في منطقة مغمورة من الذات هي التي تقود هذه المعارك اليومية التي يخوضها الإنسان، من دون أن يعي مصدرها، لأنها قادمة من صحاري بعيدة جداً، ومن شعاب لا يعرف جغرافيتها، ومن بحار عميقة، لا تسكنها غير الضواري والوحوش.. محب الذات هو هذا الشخص الذي انحدر من سلالة اللاوعي، ليصبح وباءً ووبالاً على الإنسانية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن جريدة الاتحاد