علي ابو الريش
الديموقراطية، مثل المرأة، إن تحسن معاملتها، أكرمتك، وأعلت من شأنك، وجعلتك، في نعيم العيش. وإن أسأت معاملتها، جعلتك، كسائر الخدم، فأذلتك، وأهانتك، وبعثرت مشاعرك. الكثير من الشعوب، تعاملوا مع الديمقراطية، مثل تعامل الأطفال مع لعبهم. يفرحون، بها، ويمارون بها، ويتفاخرون بها أمام أندادهم، وبعد فترة وجيزة وبعد أن يملوا منها يمزقونها إرباً، ويرمونها في القمامة. وبعض الشعوب، تعاملوا مع الديمقراطية، مثل أي صرعة من صرعات الموضة. تباهوا بها كثيراً، وأشعلوا النيران من أحلها وحطموا النوافذ والأبواب لتدخل الدواب والحشرات والحيوانات الضالة، وتعاونوا مع الشيطان، لهدم الثوابت والأسس، وكل ذلك تحت ذريعة الحرية، وكل ذلك بحجة محاربة الاستبداد، ولما نتابع ما يحدث، وما يتم ممارسته على أيدي من بشر بالديموقراطية، نظل نبكي على اللبن المسكوب، ونقول، ياحيف من ضيع الأول والتالي، وصاح أنا غلطان، ولكن بعد ماذا؟ بعد ضياع البصرة، كما يقول المثل الدارج الديموقراطية وسيلة وليست غاية، ومن يعتقد غير ذلك فهو يعيش في وهم الديمقراطية، وليس في حقيقتها. فمن الممكن أن نستورد من الآخرين، كل سلعة
استهلاكية، وكل وسائل التكنولوجيا، لأنها مادة، ومن الطبيعي، أن تكون ذات قيمة إبداعية مهمة، وأساسية، وجديرة بأن نستفيد منها، أما الديموقراطية، فهي شيء آخر، هي من وجدان الإنسان، ومن نخاع بيئته، ومن تلافيف ترابها، وتاريخها. ومن هنا لا يمكن استيرادها، وارتداؤها، مثل أي تي شيرت تتم حياكته في بلد ما، وتوريده إلى بلد آخر.
والآن عندما ننظر إلى بلادنا، ونتمعن المشهد الديموقراطي وما يتم ممارسته كفعل على أرض الواقع، نجد هذا الانسجام مع النفس، والهدوء، والسكينة في تعاطي الديموقراطية، ونتابع كيف تتم العلاقة بين الحاكم، وأبنائه، أقول أبناؤه، لأن العلاقة هنا وعلى أرضنا مبنية على الأبوة، ولا شيء أكثر من هذه العلاقة، التي يسودها، الحب والحنان، والألفة والصدق، والإخلاص. لماذا يتم ذلك؟ لأن في الإمارات، لم يتم جلب ما هو بعيد عن الوجدان الإماراتي، ولأن العلاقة الديموقراطية هي من صلب البيئة.