بقلم - علي ابو الريش
في القرية البحرية، شمال الجزائر، ولد أوغسطينوس في عنابة، ونشأ في أسرة غير مثقفة، ثقف نفسه، وتعلم على أيدي معلمين قساة، مما جعله لم يطرِ على أحد منهم.
ولع بأفلاطون، ومن بعد أفلوطين، وكذلك قرأ للرواقيين، والأبيقوريين، واهتم بشيشرون وخطاباته المجلجلة، وسعى إلى قرض شعر هوميروس، ولكن هذا المزيج الفلسفي والثقافي لم يحصر أوغسطينوس في قالب من القوالب التي نهل منها، بل استطاع أن يكون له مدرسته الخاصة، إلى درجة أنه أصبح مرجعاً لمن تلوه من الفلاسفة، بدءاً من باسكال، وانتهاءً بلوثر، ما عدا نيتشه الذي كن له كراهية شديدة، على اعتبار أن هذا الفيلسوف ينتمي إلى فلاسفة الخطيئة الكبرى، بمعنى أن نيتشه يوقن أن أوغسطينوس وغيره من فلاسفة العصور الوسطى، جلهم خرجوا من عباءة الكنيسة الكاثوليكية، ولكن أوغسطينوس على الرغم من ارتداده القوي الذي هز عرش أفكاره السابقة، وحياته التي اتصفت بالمجون، إلا أنه لم يغط في ثياب الكهنوتية وهو نائم، بل كانت له وجهة نظر حادة تجاه القضايا التي تتلمسها الكنيسة، على سبيل المثال، فهو آمن بالدور المنوط بالكنيسة كدار عبادة، ولكنه أيضاً لم يتنازل عن دور العقل في مناقشة الكثير من القضايا الجوهرية التي تهم الإنسان، فقد كان يرى أنه ما من شك أن هناك قدرات تفوق الإنسان، وهي مقدرة من الخالق، ولكنْ للإنسان دورا مهما، هو تحديد سلوكه تجاه معطيات الطبيعة، ولا عذر للإنسان بأن يرفع يديه، ويدعي أن كل ما يحصل له، ليس له به صلة، ولو قرأ نيتشه هذا الفيلسوف جيداً، ومن دون أفكار سابقة، أعتقد، أنه سوف يغير رأيه، وسوف يشد على يديه، ويتخذ موقفاً حميداً معه، كما فعل كيركجارد الذي اعتبره مرجعاً حيوياً، يدعم نظرته الوجودية للحياة.
وكأن كيركجارد يريد أن يقول إن أوغسطينوس قد تحول من المرحلة الجمالية، التي حددها كيركجارد كمرحلة دونجوانية، عميقة الحماقة، إلى مرحلة أخلاقية هي في نظره المرحلة الفردية المستقلة، وذات الوعي العالي بقيمة الفرد بالنسبة للمجموع.
إذن فيلسوفنا، قد أحاط بالفكر الإنساني من أصوله، ووصوله إلى الإيمان الأفلاطوني، إنما هو نتاج تجربة ومخاض أخلاقي عميق، أدت به إلى هذا النضوج الفلسفي.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن جريدة الاتحاد