بقلم - علي ابو الريش
يبدو أن بعض العرب لا تزال روح الصنمية تقبض على أرواحهم، وتعشش في عقولهم، وتتحكم في إرادتهم، وتسيطر على معتقدهم، وتجرهم إلى ويلات الانتماء خارج الوطن لحساب عقيدة متوهّمة، غائرة في عمق العقل المأزوم، بخلوه من مفهوم أن الوطن هو حياض الدين، وهو مسكنه، وموئل أفكاره التي لا تخرج أبداً من محيط الانتماء الوطني مهما تبدّلت الأحوال، وتغيّرت الأزمنة، وازدانت الشعارات البرّاقة التي يطرحها زمرة من المهرّجين، والمسوّقين لأفكار لا تعدو أكثر من فقاعات وزبد، ورغوة صابون بدائي الصنعة.
اليوم وبعد أن طفت نشارة الخشب على سطح الماء، وبعد أن هدرت الذئاب المريضة، وبعد أن فاحت رائحة البيض الفاسد، ينبغي على كل عاقل ورشيد أن يعي، وأن يتدبّر وأن يتبصّر، وأن يفتح عينيه على الطريق قبل أن يتعثّر، فيكبو، فتكبر الكسور في الجمجمة، فتطال الكسور العقل الواعي، فيذهب إلى اللاوعي، وتنتهي القصة أن يصبح هذا الإنسان الذي كان يعتقد أنه سليم البنية والبناء، مجرد ناقة عرجاء تقودها عصا صارمة، وتذهب بها إلى جحيم الأخطاء الكارثية، وأوّلها خيانة المبدأ، وخذلان الوطن، وبعد ذلك حرق مراحل التاريخ لتصل إلى الصفحة الأولى من بدء الوعي، فتلوّثها، وتملؤها بالغبار والسعار، والاندحار، والانهيار، والخروج عن جادة الطريق.
اليوم وبعد أن طفق المهرطقون في إشاعة أيديولوجيات، تلطّخت بفعل الزمن، بكتلة هائلة من الصدأ والغبار، وصارت مجرد أحفورة تاريخية، أو بالأحرى عملة زائفة لا قيمة لها، ولا أثر إلا في عقول الزائفين والمدّعين، والمهرطقين، والناعقين، والمنقنقين، والزاحفين على ركبهم، والمنبوذين من دين الله ورسله، هؤلاء بغوا وطغوا، وتجبّروا، وتكبّروا واعتقدوا أنهم امتلكوا زمام الحقيقة، وأنهم سيكونون في يوم ما ورثة عمر المختار، بينما هم ليسوا إلا بقايا، ورزايا، ونوايا، لعنها التاريخ ونبذتها الشعوب، ولفظتها الأوطان، فصارت مجرد نخالة قمح في طبق متسخ.
فليبيا لن يعمّرها اللات، ومناة، وهبل، ليبيا سوف تنهض من تحت الرماد على أيدي الشرفاء من بنيها، وكل الخيّرين من أبناء وقادة هذا الوطن العربي.
ليبيا لن تكون في يوم من الأيام مقاطعة عثمانية، وإن اسودّت الظروف، فسوف تضاء بصدق المؤمنين بعروبة ليبيا.
نفط ليبيا ليس للإيجار، ولا للمبايعات، ولا الصفقات من خلف ظهور أصحابها الشرعيين.