علي ابو الريش
الإمارات لا تقاوم الاستنارة، ولا تناضل من أجلها، هي هكذا تأتيها، لأنها أدركت أن في الاستنارة، قلب مضيء، وفي الاستنارة، شمس تذلل أهدابها على العيون لترى الواقع كما هو، لا كما يثار من حوله من مساحيق تجميل، الإمارات تفعل ذلك لأنها مثل الشمس جاءت من أحشاء النور، ولم يسلط عليها أضواء مصابيح زجاجية صنعت خصيصاً لاكتساح الظلام، لأنه في الأساس لم يوجد الظلام في الإمارات، وما من شيء كان يجب النور عن صحرائها، التي كانت هي الشمس نفسها التي تضيء قلوب أهلها، وتدلهم على موارد النبع الصافي، لترتشف الشفاه، ثم تهدي الركاب العذب للآخر، من دون كلل أو ملل أو جلل.
هكذا هي الإمارات، سراج من استنتاج المؤسس الباني، طيب الله ثراه، زايد الخير.. واليوم تمضي بالنور مثل حكيم شرفي امتلأ بالنور الرباني وجلس عند قمة المجد بوجد عفوي، لم يخدش بالأنانية، ولم يلوث بالتورم، ولم تلحقه ملمات التاريخ، هي، هي الإمارات مثل عاشق متعبد يسند ظهره على أريكة التهجد، ويعطي وجهه لله تعالى لا يطلب غير الصفاء، إنه الإدراك الحقيقي لمعنى الوجود ومفهوم الحياة من غير إضافات غير ذات جدوى.. الإمارات مستنيرة بالوعي ناصعة بالنقاء، سامقة بالانتماء إلى الوجود، ووحدته العظيمة وتناغمه النبيل، واندماجه الأصيل، وتواصل عناصره الجميل، هذه الوحدة العضوية للعالم التي جاهدت الإمارات من أجلها لكي يصبح العالم مثل المحيط، متسعاً لكل الأسماك، متمدداً لنهاية الحلم البشري.
الإمارات لا تتوازى مع الآخر مثل خطين مستقيمين لا يلتقيان مهما امتدا، وإنما هي خط الدائرة الذي يحيط بالجغرافيا، يمتد ويمتد ليلتقي عند مركز الدائرة، مكوناً المحيط الكوني للقارات.. هذه هي الإمارات مساحة في قطر الدائرة، وفضاء في أحشائها، هي هكذا تقف دائماً في المنتصف مثل القلب في الجسد، مثل خط الأمد، مثل الأثمد في العين، تكحل، ولا ترمد، هي هكذا الإمارات، فراشة في حقل الكون، تشم العبق ولا تبعثره، في هكذا مثل الوردة تنثر العطر ولا تكبره، لماذا؟ فقط لأنها الإمارات هي لا تشبه إلا نفسها، ولا مثيل لها إلا هي، في البدء كانت بذرة ثم أصبحت شجرة، ومن الشجرة تفرعت أغصان الحب لتصبح الإمارات العشق، والشوق، والتوق، والعنق، والأفق، والعبق، والنسق، والطريق إلى المجد لكل من يصبو إلى المجد، ولكل من في قلبه وجد للسؤدد.