بقلم - علي ابو الريش
الشخص المنعزل، مثل البحيرة المغلقة، ماؤها ملوّث، وغير صاف، فلا حياة فيها إلا إلى الطفيليات، والطحالب.
الشخص المنعزل لا يستطيع التسامح لأنه كائن ميت تأخر دفنه، ولأنه يعيش خارج الزمن، خارج التاريخ، خارج المحيط.
الشخص المنعزل، سوداوي، لا نور في داخله، ولا حياة، كيف يستطيع الميت أن يرافق الأحياء.
هناك أسباب كثيرة تجعل من الأشخاص منعزلين، وأهمها التوبيخ الأبوي المستمر، والتخويف من المغامرة، والاكتشاف، والتذمر، ورفض السلوكيات بمختلف أشكالها.
وهكذا أشخاص يواجهون مثل هذه العقبات، لا يستطيعون تجاوز محنهم التي تعترض طريقهم إلى الحياة، وبالتالي يفضلون الانكفاء والانزواء، والدخول في زوايا حادة ومؤذية، وفي خندق السوداوية هذه يواجهون مصيرهم المحتوم، وهو كره الآخر، وتحاشي الوجود في حضرته، والامتثال لأوهام تصور لهم الحياة كموقد حطب لا يمكن الاقتراب منه.
الكثير من الأشخاص يندمجون مع مخيالهم الشخصي بحيث يصبح هذا المخيال هو الآخر البديل، ولكن هذا المخيال ملوث بصور غير حقيقية، بل هي قادمة من سنوات عمرية قديمة، لا يمكن للمنعزل فك رموزها، فهي مثل أضغاث أحلام، تستولي على المرء، وتتحكم في تصوراته، وتلازمه في حالة اليقظة وكأنها واقع وحقيقة وتتلبسه طوال حياته، ويصبح مغلول العقل والقلب، فلا يملك العاطفة الصافية، الأمر الذي يجعل علاقاته الوظيفية، وكذلك الأسرية مرهونة بهذه الأوهام، ما يجعل الفشل حليفه في كل هذه العلاقات، ولا حيلة له غير التبرم والشكوى من الآخر، والإحساس بالظلم، لأنه نقل الإحساس بالدونية من زمن التلقي والهضم والتكرار، زمن كان فيه هو الشخص المفعول به، وليس الفاعل.
هذا الشخص انعزل، وانفصل، وأصبح يمشي في الحياة بقماشة متشققة، فكيف له أن يعبر المضيق الحياتي؟ إنه المستاء دائماً، المتحرق من ظلم الآخر له، وحقيقة الأمر أنه لا يشكو من الواقع الراهن في حد ذاته، بقدر ما يشكو من واقع طفولي استولى على إرادته، وجعله «طفلاً كبيراً» يُعاني ظلم الكبار له، وهذه الصورة المتخيلة تنسحب على حياته إلى أمد بعيد، وقد يرافقه مدى الحياة، محاصراً بمختلف أشكال الخوف والرعب، ورجفة الالتقاء بالآخر.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن جريدة الاتحاد