علي ابو الريش
أن تحب وأنت حر، فإنك تسبح في المحيط، بقارب متقن الصناعة. أن تحب وأنت حر، فإنك تفيض بالماء العذب. كثيرون أحبوا، وأحبوا بصدق وإخلاص، لكنهم فشلوا، ودمروا من يحبون، وقبل ذلك دمروا أنفسهم. الحب بلا حرية، إنه أشبه بمن يولع بحب العصافير إنه يحبها، ويضعها في أقفاص، ذهبية، ويجلس في الصباح، ويستمع إلى تغريداتها، ويستمتع بالأصوات العذبة، ويظن أن العصافير، تغرد مرحبة به فياضة بحبه، ولا يعلم أن أصوات العصافير، ما هي إلا نداء، استغاثة، وطلب نجاة من سجن الأقفاص.
الحرية هي المركز، والحب هو المحيط، إذا تهاوى المركز، فلا يوجد محيط الذي يحب بلا حرية، هو مستعبد، من قبل الحب، والمستعبد، لا يمنح غيره الحرية. فاقد الشيء لا يعطيه. الحب بلا حريه تملك واستبداد، ودخول في العتمة، وانغماس في الرمال الحارقة. وعندما تحب بحرية، فإنك تذهب بالمحبوب إلى السماء، إنك تأخذه إلى حيث يكمن الصفاء، والنقاء، والبهاء، والثراء، إنك تزهره، بالحب، وتضع الثمرات على أغصانه، وترويه من ماء الحقيقة.
الحقيقة هي أن نحب من أجل الحب، لنصبح أحراراً في تعاطينا للحياة. عندما يرتبط الحب بالشروط، يفقد أهم شروطه، وجوهرها، وهو الحرية. وفي الحرية نحن نذهب بالحياة نحو مكامن نمو الأزهار، وتدفق الأنهار، واخضرار الأشجار.
الحب شجرة لا تنمو إلا تحت الضوء، والحرية مصباح منير، عندما تكتسبه، فإنك لا تتعثر بالأحجار، ولا تغيب عنك طرق الوصول إلى البيت. بيتك هو ذاتك، عندما لا يكون هناك ضوء في ذاتك، فإنك لن ترى زوجتك بصورتها الطبيعية، وسوف تنتابك، أوهام وأسقام، وتضيع أنت في العتمة، وفي العتمة أيضاً لن ترى أبناءك، لن ترى الألوان الجميلة التي تزين جدران منزلك. إنك لا ترى غير الفراغ الأسود، الذي سيدلك على الأشباح.
للحرية باب وللعبودية أبواب، نحن دائماً ما نختار الأسهل، فنذهب إليه، لكنه يذهب بنا إلى الأغلال، ويأخذنا إلى الأدغال، فنضيع، وعندما نفقد المبررات، نحيل القضية إلى من نحب، ونتهمه، بالتقصير، ونلقي عليه اللائمة، لأنه لم يحقق مبتغانا، ونحن لا نريد إلا التملك نحن نسعى دائماً إلى امتلاك الآخر، مثل إي سلعة تباع في السوق. إذاً لا يستقيم الحب بلا حرية، عندما نحب وطننا بشروطنا، وعندما نضع الشرط أولاً، ثم نحب الوطن، فنحن نأسر، أنفسنا بالشروط، فنصبح بؤساء، محبطين، ناقمين، لأن في الشروط أنانية، وفي الأنانية سلبية، والحب لا يتفق مع السلبية. فأن نحب الوطن لذاته، ولكونه وطناً ومن دون وضع الإملاءات على الوطن. فإن تحب الوطن، فأنت تحب نفسك، وتحب الوجود، وأن تكون طاهراً، مثل جناحي فراشة، زاهياً مثل الوردة.