بقلم - علي ابو الريش
ربما نتقبل عيوبنا، لأننا نرى في الآخرين عيوباً، فنسقط ما فينا عليهم ونقول: ها هم كذلك لديهم عيوب، فلماذا نجزع؟ ولماذا لا نقتنع بأن الحياة دائرة عيب كبيرة، كلنا ندور فيها، ولا نهاية للعيوب.
هذه فكرة جهنمية اخترعها الإنسان، ليهرب من الحقيقة، وليتخفف من أعباء التأنيب، وينظر إلى الحياة بتفاؤل قليل، مقابل التشاؤم الكثير.
الإنسان جاء متشائماً وغير مبتسم، وبعد محاولات يائسة من قبل الوالدين، ومداعبات، وملاعبات، ومشاغبات، يبدأ الإنسان في الإفراج عن الابتسامة بعسر، ولكن خلف كل ابتسامة هناك صرخة محتبسة، قد تخرج إلى الوجود في أي لحظة، ولمجرد التفاتة بسيطة نحو الفراغ اللامتناهي، تعود الصرخة مدوية، تفجر شرنقة الابتسامة، وتحولها إلى حفل جنائزي مريع.
الإنسان يهرب من كل شيء عدا الإسقاط، لأنه المعول الذي يحفر به قبر عيوبه، ولأنه المكنسة التي يطرد من خلالها إحساسه بالنقص، ولأنه الهدير الذي يخيف به شبح دونيته.
أعظم اختراع توصل إليه الإنسان، وهو الأقدم هو الإسقاط.
المرأة القبيحة، تصف الجميلات بالتبرج والغنج، والبطر أحياناً، والجاهل يشمئز من الشخص المتعلم، ويصفه بـ«المتفلسف»، والفقير يتحدث كثيراً عن القناعة، ويسرد حولها القصص والحكايات، وهكذا تستمر عربة الإسقاط تنمو وتتورم وتكبر وتنتفخ مثل البالون، ولكن لابد وأن تنفجر في وجه صاحبها لأنها خدعة، والخداع لا يصمد أمام الحقائق، لأن الحقائق من صنع الطبيعة، والخداع من صنع الإنسان، وكل ما يقوم به الإنسان من أفعال مؤقتة، كما هو الإنسان ابن زمنه، ولا يمكن أن يكون للإسقاط أكثر من دور الفقاعة، فهي تبرز على سطح الماء نتيجة لتصادم موجتين، وما أن تنتهي حرارة الصدام، تنتهي الفقاعة إلى لا شيء.
الإنسان اخترع الإسقاط، ليحرر نفسه من السقوط في بئر الخيانة العظمى، وليخلص نفسه من الإحساس بالضعف، وكل ما يسعى إليه الإنسان هو إيجاد موطئ قدم على رصيف الوجود، والتأكيد أنه موجود، رغم ما يداهمه من موجات حرارية، كثيراً ما تؤدي إلى اختزاله وتحويله إلى ابتسامة ناقصة البياض.
فالإسقاط هو مثل الحلم، يحقق للإنسان ما لم يستطع تحقيقه في الواقع، ويزرع ابتسامة على الوجه، حتى وإن كانت مؤقتة. الإسقاط مثل مساحيق التجميل.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن جريدة الاتحاد