بقلم - علي ابو الريش
ما يعجز عن تحقيقه الصغار، يتحمل مسؤوليته الكبار، هكذا هي القناعة الإماراتية في فتح ثقب ولو ضيق من أجل رؤية الشمس من خلاله.
قد يشق على الآخرين اتباع الضوء لأنهم أغمضوا عيونهم، وساروا في الطريق، يتعثرون بعجزهم، وضعف إرادتهم، ولكن ما اتخذته الإمارات هو حل السلام مع الآخر، وإذا كانت الإمارات قد اتخذت قرارها من واقع إيمانها بوحدة الوجود، وأن هذا الوجود لا يستقيم إلا بالسلام مع النفس ومن ثم مع الآخر، فإن السلام مثل الإيمان لا يتجزأ، ولا يتلون، ولا يتشكل، ولا يصغر ولا يكبر، هو هكذا جملة واحدة، معقودة على الثقة، والثبات، وعدم التسويف أو التحريف أو التجريف، والذين يريدون تغيير لون الشمس، أو تحويل الدائرة إلى مثلث، والتوهم بأن أنصاف الحلول هي مبايعة للضمير، وتشويه الحقيقة، وتغيير مكان القمر، ليصبح على مقربة من أبعد كوكب في السماء، هذه تهويمات، تجعل من العقل ساحة لتربية الحشرات الضارة، وتنشئة كائنات غير مرئية على صفحة الجبين.
يتحدث البعض عن السلام، وعن دين المحبة، ولكنه عندما يقف أمام المرآة وينظر إلى وجهه، ويحصي عدد الكدمات التي لحقت به جراء تصادمه مع ثقافة بزاوية حادة، يشعر بالعجز، وينتابه إحساس بأنه لو فعل ذلك، فسوف تؤذيه تلك الخدوش التي تعلو وجهه، ولذلك يتوجب عليه أن يصارع من أجل إخفاء تلك الثقوب السوداء، والهروب إلى حيث تكمن الكائنات المرعوبة، والاختباء خلف عينيه، فماذا سيرى يا ترى؟ لن يرى سوى عتمة تفرش سوادها على عينيه، وتحول العالم إلى ظلام دامس، ومن يقرأ قصة (الكهف) لأفلاطون سوف يستدل على الحقيقة، والحقيقة هي بأن الإنسان لا يرى الحقيقة، إلا إذا واجه الشمس وتخلى عن التواري وراء كتلة من الظلام.
الإمارات.. وضعت خيارها نصب عينيها، وخيارها هو أن تكون في قلب الحدث الواقعي، وألا تصبح في حالة اجترار، مسلسل تراجيدي، نهايته اللطم، وحتمية البكاء على اللبن المسكوب، إذن سوف نسمع أصواتاً مثل أسطوانات مشروخة، وسوف نسمع عن حناجر مبحوحة، تطلق في الفراغ صرخات الحملان المذعورة، وتصيح لقد فاض الكأس، لقد فاض الكأس، ونحن نقول إننا لا نملأ إلا الجزء الفارغ من الكأس.
هذه هي سياسة السلام، التي لا يعرفها إلا من أحب الحياة، كما أحب الآخر من دون شروط، أو حدود، أو تصنيف.