بقلم _علي أبو الريش
من أنت سوى أنت، وأنا في عمرك بوح مخنوق النبرات، وأنا في دهرك وشوشة الموج، في أذن محارات خاوية، جفت فيها الأشواق، وأنا في وعيك فكرة طير، قصقصت جناحيه، واقتصت من تاريخ الأشجار، وأنا في عينيك، ومضة نجم أطفأت الغيمة بريق الأحداق، وأنا في تاريخك كلمات ذابت في صفحات الكتمان، وأنا في حلمك أضغاث مرت في الليل طيوفاً، ثم تاهت في أدغال مجوناً، وتاهت في اللاشيء، وأنا في نسق الأنثى الفارغة، وعاء من طين لعبت فيه الأقدار، وأنا في جذلك، غصن عصفت فيه الريح، وغايات، وغوايات، ونوايا امرأة حثت كل خطاها، وسارت في غي، حشدت أنواء الحِنث، وأبدت ما أبدت من نبس، من خلف نوافذ أفكار القبلية وأوثان الرغبات، وأن في فكرك موسوم برزايا ذكورة زمن شاخت فيه الأفكار، واحتدمت في الغيبوبة، وانتكست في الجب، تسأل عن غايتها في يوسف، تسال عن وأد الأكباد.
وأنا في فكرك سيف جز العنق بحنق، وجز الأوتاد حتى خرت في التاريخ جل عقائد قوم، ما شبعوا من توبيخ الأفكار، وما ملوا من تضخيم الأسوار، ما سئموا من تدوير نفايات الكتل الشمعية، ومن ترسيخ أنوات غبار.
من أنت سوى أنت، وأنت من بعض نوايا خاملة في كل جدار، وأنت في عرف الأشياء قماشة زمن، رقعها الوعي بخدوش وأشباه خوار، وأنت في الليل قبلة طيش بائدة، مرت عبر نهار، وأنتفي الحقب مدار دارت فيه دائرة الأهوال، وأنت في نخب الكأس فراغات تملأ كأسي جلجلة الأوهام، وأنت في سهر البحر، زعنفة خائرة في أعماق الأشواق، وأنت في لغط الصحراء كثيب بلبله البوح، وأنت في شطط الأنثى، أمرأة تاقت شبقاً، حتى ذبل العود، وجفت أغصان الأنثى فيك، وجفت كل الأنهار، وجفت شفتيك رضابا، وكفت عيناك عن الترتيل، وكفت فيك نواصي العشق عن التفسير، وكفت أحلامك عن التصوير، وكفت أيامك عن زرع العشب، وعن تلوين الزهر، وعن تشجير الأهداب برموش، هي في الأصل جداول ماء، هي في الجذر حراس الأحداق. وأنت في قلب الموجة، رغوة ماء تالفة، أنت في الأصل تلاشي الأشياء في اللا أشياء، أنت في الأصل حبة قمح، تلاشت في كومة قش تلاشت في الأسلاف.