بقلم : علي أبو الريش
قبل حلول الشهر الفضيل، هناك في الأسواق أشواق وأحداق وأعناق، وسراق للبهجة، هناك أناس وظيفتهم الضجيج والعجيج، وقطع «الطريج» أمام أي نظام وانسجام.
هناك أناس يعتقدون الاحتفاء بشهر رمضان يبدأ بهذه الفوضى، وهذا التهافت، وهذا اللهاث، والشهيق والزعيق والنقيق، هناك أناس يبدأون يومهم باللهفة إلى السوق، ويدخلون هذه الأماكن بعيون زائفة، وقلوب فارغة، وعقول متمرغة في العصبية والاحتراق. هؤلاء يدخلون المحال التجارية، وكأنهم أبطال مصارعة في حلبات الزحام العصبي، لا يبالون لمشاعر الغير، ولا يلتفتون لما يسببونه من مضايقات للآخرين، كل ما يهمهم أن يكونوا الفائزين في زج كل ما لذ وطاب، وكل ما يحتاجونه وما لا يحتاجونه في عربات النقل الثقيل التي تئن وترن، جراء الأحمال التي لا تطيقها الجبال الشم..
هؤلاء الناس، يستعدون لرمضان بسيئات يرتكبونها، إثر تسببهم الأذى للآخرين، وتبذيرهم وتسفيههم، وإفراطهم وتفريطهم، والمبالغات التي لا حد لها ولا داع لها، هؤلاء الناس يتفاخرون بأنهم أعدوا العدة لرمضان، بما ابتاعوه من مواد استهلاكية، وأجزم أن معظم هذه المواد، سوف يكون مآلها صناديق القمامة، وحتى الفقراء لن يستفيدوا منها، لأن أغلب البيوت في رمضان تكون مغلقة الأبواب مقفرة مريرة، لأن الصائمين متعبون، ولا طاقة لهم في استقبال أي ضيف وبالذات المحتاجين، لأنهم يعتبرونهم مصدر إزعاج، وقلق لمن يريد أن يهدأ ويستكين، و«ينبطح» بعد يوم من الجفاف والانهماك في النوم الطويل؟!
هؤلاء الناس، يعانون جوعاً عاطفياً تجاه المواد الاستهلاكية، ولو فات أحدهم الذهاب إلى المولات أو لم يشتر بضاعة معينة، فإنه سوف يهزم كثيراً، ويؤنب نفسه أكثر، وقد يشعل حرباً ضارية مع أحد أفراد الأسرة، لأنه لم يذكره بشراء البضاعة الفلانية.
هؤلاء الناس يواجهون مأزقاً حضارياً تجاه رمضان وقدسيته، فهذا الشهر شهر القناعة والرضى، شهر الغفران والصوم عن الإسفاف قبل الصوم عن الأكل والشراب، هذا الشهر دعوة إلى الصبر، والإحساس بقيمة الصوم، والشعور بالآخرين، وهو شهر التواصل مع الرحم، والأقارب والجيران، والأصدقاء والأحباء.
هذا الشهر رسالة من السماء إلى سكان الأرض، كي يعوا معنى التلاحم بين البشر، هو شهر الرحمة والتوادد، والحب بين العباد في كل البلاد، ولكن البعض حوّل المناسبة إلى معرض أزياء، وجري خلف الأهواء.
والله المستعان..