سن اليأس

سن اليأس

سن اليأس

 صوت الإمارات -

سن اليأس

علي ابو الريش
بقلم : علي ابو الريش

تسافر إلى العالم، وتعبر الحدود، ومعك تعبر ذاكرة تختزل الزمن بسنوات ربما تكون قصيرة جداً في عمر الشعوب. عندما تحط قدماك في مكان ما من هذا العالم، وهو خارج تضاريس منطقتنا الشرقية، تشعر بأن كل شيء في حياتك يتغير، تشعر أن في تلك البلاد لا يوجد في قاموسهم عبارة سن اليأس.
الحياة هُناك بالنسبة للأفراد مثل النهر، خالدة، ومستمرة في العطاء، والغيمة تمطر الأرض، والعشب ينمو في الأفئدة وليس بين حبيبات التراب. هناك الحياة شجرة معمرة، ولا موسم لها.
تقف على ضفة نهر، فتجد رجلاً وامرأة تجاوزا الستين من العمر، وعلى وجهيهما نخوة الشباب، وفي عيونهما يشع بريق الأحلام الزاهية، وعلى لسانيهما تلمع ومضة رضاب يشي عن ريعان روحين تناغماً مع رقصة الطير على صفحات الماء، وانسجما مع رفرفة الأوراق على القمم الشم.
تمشي في الشارع، وتصادفك امرأة ترفع رأسها إلى السماء وتنادي السحابة كي تلمس خدها بِنَثة باردة، تحيي في داخلها ذاكرة لم تزل تحفظ الود مع طفولة يانعة.
تدخل في مقهى، وتجد رجلاً قارب السبعين أو أكثر، يحتفي بميلاد بيضة العمر، بابتسامة أنصع من، قطنة طويلة التيلة. كل شيء هناك تجاوز سن اليأس، ودخل مرحلة اليفوع التي لا نهاية لها، كل شيء هناك يرسم صورة الحياة البهية، على سبورة لم تلحقها خربشة الزمن ولا نالته مخالب البؤس. لا أحد هناك يختبئ تحت ملاءة العجز البالية، هناك الحياة تمشي على قدمين لم يمسهما روماتيزم الاكتئاب، هناك الأحلام مثل غزلان برية، تقفز بحرية على عشب الفرح.
هناك الأمنيات تظل واقفة، ولا تكبو، ولا تخبو، ولا ينطفئ لها بصيص، هناك ربما لأنهم لم يتعلقوا كثيراً في الماضي، أصبحوا أخف حركة، وأكثر رشاقة وأنبل رؤية للحياة.
هناك الحياة بالنسبة لهم، ممر يؤدي إلى النهر، وليس إلى النفق، لذلك فهم عند هذا النهر، ينظفون العقل من نفايات التاريخ، ويرتبون أفكارهم، ويضعونها في مقدمة التاريخ، وليس في العربة الخلفية.
هناك يجعلون من الابتسامة، مشطاً، يكنسون به الشعيرات الجافة، والمجعدة، ويجعلون من رؤوسهم مثل قبعة تحميهم من اللظى.
هناك الابتسامة، مظلة يطفو ظلها على الوجوه، فيجعلها بهية، ندية، عفوية، زاهية، لا يعلق بها صدأ التعلق بالماضي، ولا يشوبها غبار المستقبل، هم يعيشون اللحظة كما هي ولا يلونون الزمن برماد ما فات، أو ما قد يأتي.
هناك المرأة الستينية، تمسك بيد زوجها، وتقول له ها أنا هنا، دفئ راحتك، واسترح، ففي عروق يدي، الأزهار تنمو في كل الفصول.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سن اليأس سن اليأس



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates