بقلم : علي أبو الريش
لم تزل داعش تجرجر أذيالها في الموصل والأخوة الأعداء يتنازعون على رفع العلم الاتحادي أم إنزاله في كركوك، كما أن تركيا تتربص وتتلصص، عساها أن تدخل على الخط النزاعي، لتفوز من الجبنة بقطعة تشفي الغليل، وهذا أمر طبيعي، بعد أن أصبح هذا البلد مشاعاً متاعاً، لكل عاطل وباطل، وبقيت إيران التي إلى الآن لم تبدِ موافقة أو اعتراضاً، أو أطماعاً، لأنها بطبيعة الحال هي موجودة في النخاع العراقي، وحشدها الشعبي يؤدي الواجب وأكثر. كان العراق الذي ينادي بأمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، أصبحت رسالته غير واضحة الحروف بعد أن انسكب الدم، على العرق والورق، وتوارى الحدق بعيداً عن الخريطة العظمى لينكفئ كل شيء، ويغدو الطموح لا يتعدى، رفع العلم أولاً على مدينة أو قرية.
لو كل بلد تمزق إلى قوميات وعرقيات وإثنيات، فلم يبق في العالم، إلا طرائق قدد، وقرى متناثرة، مثل الحصى، في السفوح والوديان، ولا نستبعد أبداً أن يستغل داعش والغبراء الظروف العراقية، ويعيد تنظيم صفوفه، لأن الأخوة الأعداء مشغولون في الأشبار والأذرع، ونقاط زرع الألغام الجيوسياسية، فالفلول التي يواجهها الجيش العراقي، ومرتزقة العالم أجمع، موجودون على نفس التضاريس فهم يغادرون مكاناً ليحلوا في مكان آخر، والرحى تدور ولا نسمع غير جعجعة، والطحين تستفيد منه إيران ومن والاها، لأن الإرهاب لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة مباشرة لتحقيق مصالح دولة قامت على إرهاب الآخرين، مثل إعلانها تصدير «الثورة» في العام 1979، لذلك نقول يجب أن يتخلى «القوميون» عن عرقيات خرجت عن خط التاريخ ودخلت في مستنقع الجغرافيا، الأمر الذي سيبقي الدولة الاتحادية في صراع مع الذات، وهذا ما سيفتح الأبواب والنوافذ، ويبقيها مشرعة لمن في نفسه غرض، ولمن يريد أن يضخم أوداجه على حساب زعزعة الأوضاع في البلدان الأخرى، وتحت ذرائع مختلفة لا يصدقها إلا المغفلون والسذج، والذين لايزالون يعيشون الأحزان التاريخية والقصص الوهمية، وهذا ما تلعب على حباله إيران، وتنميه وتغذيه وتنفخ كيره، وتجعل منه مفخخات تنفجر في الوقت الذي تتقيح فيه النفوس، ويموت الضمير، وتذبل أوراق الحس الوطني، ولا يصبح الوطن الأم إلا مجرد بقرة حلوب، أما الانتماء فإما إلى العرقية أو الإثنية وكلتاهما كلمة لا يراد بها إلا الباطل، ومن أجل إحياء نوازع ذاتية مقيتة، وإضرام النار في القلب والعقل معاً.