حقيقة أن أكون أنا

حقيقة أن أكون أنا

حقيقة أن أكون أنا

 صوت الإمارات -

حقيقة أن أكون أنا

بقلم : علي أبو الريش

الإنسان كائن اجتماعي كما يقول أرسطو. ولكن كي تكون اجتماعياً عليك أن تبدو إنساناً قبل كل شيء، وأن تتخلص من نفايات عصر الغاب كما قال فرويد.

هذه هي المعضلة الكبرى التي يواجهها الفرد اليوم وهو يذهب إلى الحياة. فالعقل البشري برغم ما حقق من إنجازات مادية، وصناعية وتطور، فهو لم يزل يخضع للاشعور جمعي مؤسس على ثقافة بدائية، فعندما تلجأ الدول إلى تكديس السلاح الفتاك، وتعمل على إرهاب الآخر، بقوة الآلة القاتلة فهو لم يزل منغمساً في العدوانية القديمة، ولم يزل يعيش حالة التناقض، ما بين سعيه للخروج من صهد الانعزالية وبين رغبته الكامنة بأن يكون مسيطراً على الآخر.

هذه النزعة لم تأت من فراغ بل هي تكمن في غابة الماضي وشهوة الافتراس. الإنسان لا يكون هو إلا إذا تحرر من مغبة المقارنة بمعنى تخلصه من رغبة أن يكون الأفضل، من سواه، لأنه في هذه الحالة يقوم على تكسير جدران الآخر، وتهشيم منجزاته، ليكون هو الأقوى، وفكرة الأقوى هي صورة العالم، كما يراه الكائن المتوحش الذي لا يرى في الآخر غير مادة للافتراس، وبالتالي يقوم الفرد المنعزل على تجسيد شخصية مخالفة لتكوينه البشري، منحرفاً صوب الحالة الحيوانية، فإما أن يكون مسيطراً، أو خاضعاً، وفي كلتا الحالتين هو لا يمثل نفسه وإنما يعكس صورة الآخر الذي يخافه، ويهابه، ويخشى سطوته، وبصورة غير مباشره هو يقوم على تشكيل شخصية مبهمة، وغير واقعية وهي شخصية الإنسان المقلد، والإنسان الذي غادر منطقة الأنا الحرة إلى شخصية الإنسان الذي انحنى للموجة، فغطس في قاع البحر.

نحن في ضياع الأنا نصبح مثل الحمل الوديع وسط القطيع، إنه يندس في المجموع كي لا تراه المفترسات، ولكن القطيع في حالة الفزع جراء الإحساس بالخطر، يترك الضعاف بين مخالب المفترسات، لينجو من الموت. وهكذا هو الإنسان الذي لا يريد أن يكون هو، يظل منهمكاً في التبعية للآخر، ويستمر هكذا عضواً سلبياً، هامداً بلا إرادة تحدد شخصيته وتؤطر ملامح الكينونة وهي التي تحدث عنها سارتر، بقوله أن تكون في الموقف أنت وليس غيرك، وأن تبذل ما تملك من إرادة لتخرج من حومة الصورة لتكون أنت الأصل.

نحن نحتاج إلى القلق ولو بالقليل، لأنه يحدد وعينا بالحرية يضعنا في المسار الصحيح الذي يخدم حاجتنا إلى الحياة، ويقدمنا للعالم كأفراد لنا سمة الفردانية، وليست الشخصانية، والأخيرة من صناعة الآخر الذي يريدنا صورة طبق الأصل له، وهذه هي المشكلة المعرقلة للتطور، ولإذكاء الإبداع الفردي والذي يصب في خانة الوطن.

نحن أشقياء عندما نقلد، ونحن سعداء عندما نعيش كما نحن لأننا نصبح من غير أعباء وهمية، ومن غير أحمال خيالية تقصم الظهر، ولا تدع العقل يفكر بحرية ومن دون شروط خارجية.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حقيقة أن أكون أنا حقيقة أن أكون أنا



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 19:42 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الدلو السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 10:03 2018 الأربعاء ,09 أيار / مايو

"بهارات دارشان" رحلة تكشف حياة الهند على السكك

GMT 11:22 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تظهر بوزن زائد بسبب تعرضها للأزمات

GMT 14:04 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد بن زايد يفتتح معرض فن أبوظبي 2013

GMT 06:44 2012 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نشر كتاب حول أريرانغ باللغة الإنكليزية

GMT 19:39 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

٣ خلطات للوجه من الخميرة لبشرة خالية من العيوب

GMT 15:58 2017 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

لوتي موس تتألق في بذلة مثيرة سوداء اللون

GMT 17:22 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

فتيات عراقيات يتحدين الأعراف في مدينة الصدر برفع الأثقال

GMT 09:17 2021 الجمعة ,21 أيار / مايو

4.1 مليار درهم تصرفات عقارات دبي في أسبوع
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates