الطريق إلى المول

الطريق إلى المول

الطريق إلى المول

 صوت الإمارات -

الطريق إلى المول

علي ابو الريش
بقلم : علي ابو الريش

قبل أن تخرج من بيتك، يدفعك غرض ما إلى الذهاب إلى المحل التجاري المعين، ولكن وأنت في الطريق، تنتابك أغراض، وحاجات، ورغبات، وما أن تصل إلى المحل المعني، تتفشى في رأسك كتلة من الحاجات التي لم تخطر في بالك من قبل. وأنت في ممر الخروج، تتقدمك عربة تفيض بكومة من الأكياس البلاستيكية، التي تطفح بما هو مهم وما هو تافه، وعندما تدخل المنزل، وتفتح الفاتورة المطوية في جيبك، تصاب بالدهشة، وتفتح عينيك على أرقام هائلة لم تدر في خلدك من قبل أن تطأ قدماك أرض المحل التجاري. هذه سيرة إنساننا المعاصر الذي ابتلي بشهوة التكديس، والتكييس، وملء فراغات عربات الشحن الداخلية. عادة أصبحت تقليداً، ثم أصبحت تقييداً، ثم صارت تبديداً، ما جعل الموظف البسيط يتساءل عن الراتب قبل حلول العشرين يوماً من الشهر.
الكل يريد أن يلحق بمسيرة الشراء، والتي أصبحت هواية، ثم نمت وترعرعت في الوجدان، لتصبح حرفة من لا حرفة له غير الدوام اليومي في الأسواق، لغرض ابتياع ما له قيمة وما ليس له أي قيمة. إدمان أشد فتكاً من الأدمان على المخدرات، وأشد شراسة من التدخين. وتتقدم النساء على الرجال في هذا المضمار، لما للنساء من حدقة أوسع في البحلقة في التفاصيل، ورغبة أكبر في الخوض في أحاديث المساء، عن آخر الصرعات والموضات في الملابس والأكسسوارات والمجوهرات والأحذية. ولو وقفنا في مناسبة من المناسبات الوطنية أو الدينية، سوف تباغتنا المشاهد الرهيبة، لجماهير النساء اللاتي يتدفقن إلى المحلات التجارية، مثل شلالات أنهار تخفق بالبهجة والسرور، وهي تدقق وتحقق، وتحدق في الألوان والأشكال والأصناف من الموضات القادمة من بلاد الصناعات المرهفة والمهفهفة بوريقات الأسعار الباهظة، والناهضة بأرقام خيالية تشيب لها الولدان، وتنكسر لها الظهور، وتتفطر لها القلوب. يحدث هذا في المناسبات وغير المناسبات، ويحدث هذا رغم أنف كل موظف مسحوق، لا يملك في زمانه أكثر من راتبه الشهري الزهيد، ويحدث هذا جهاراً نهاراً، لأن الاستهلاك أصبح من شيمتنا، والإسراف يجري في دمائنا، والتبذير من نخوتنا، والتمظهرات سمة من سماتنا، والتباهي صفة من صفاتنا، والتمادي في الشراء هو كل مبتغانا، والمبالغة المقارنة بالآخرين سياسة اقتصادية أصبحت تستولي على مزاجنا، والدوام في الأسواق بحاجة أو بغيرها، عمل يومي نؤديه ونفخر به، كوننا شاهدنا اليوم سلعة ما قبل غيرنا. هذه ثقافة، وليتنا استبدلناها بثقافة أخرى، كالجلوس في البيت وقراءة كتاب معين، لكننا أنعمنا على العقل بما يفيده ويغذيه، ويلبسه ثوب السعادة، ويوسع من إدراكه، حول الكثير من أمورنا التي تحتاج إلى الوعي قبل كل شيء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الطريق إلى المول الطريق إلى المول



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates