بقلم -علي ابو الريش
بعض الناس ما بينهم والحلم خصومة تاريخية لا تغسل نفاياتها كل أنهار العالم. وما بينهم والفرح عداء منذ زمن عاد وثمود، لا تطهره كل الابتسامات الصفراء.
عندما تشاهد أشخاصاً من هذا الصنف، تشعر أن الكرة الأرضية تضيق بك، وأن السماء تغادر مكانها لتطبق على الأرض، وأن الأزهار تتوقف عن الإثمار، والأزهار تعزف عن بث عطرها والطير يعتصم محتجاً على هكذا نفوس تدمن على العبوس والكراهية، والقنوط، فلا يعجبها شيء في هذا الكون، ولا يفرحها شروق ولا غروب، كل الجهات في عيون هؤلاء الأشخاص بلا لون، وكل زجاجات عطر العالم بلا رائحة.
عندما تنظر إلى حياة هؤلاء، وتتمعن في وجوههم، تشعر بالألم، وأنت تجاور كائناً يحتضر من الداخل، ويعاني أنيميا في مشاعره، ويواجه ظرفاً صعباً لا فكاك منه، لأن الشخص نفسه لا يريد مغادرة المنطقة السوداوية التي استوطنها من قبل، وقد يكون منذ نعومة أظفاره، لأن المرض الذي يعانيه يدل على أنه أزلي، وأن العلامات البارزة، في الغضون والأخاديد على الوجه، تشير إلى ذلك التاريخ البعيد.
صحيح أنك تضيق ذرعاً بهكذا أفراد، لكنك أيضاً تتعاطف مع هؤلاء، وتود لو أنك تسطيع أن تزيح عنهم كل هذه الجبال المتراكمة على كواهلهم، وأن تساعدهم في عبور النفق، وثم أخذهم إلى حيث تشرق الشمس، ولكن كيف فهم استمرأوا هذه الحياة، بل وأصبحت جزءاً من جيناتهم الوراثية، تمضي في دمائهم فتفسد الكريات الحمراء والبيضاء، وتأكل من اللحم والعظم، ولو حاولت الاقتراب من هذه المنطقة التي تسمى الاكتئاب، فقد تواجه بالزجر والازدراء، وأكثر من ذلك لأن هذه الحالة التي تراها منافية للحياة، هؤلاء الأشخاص يرونها واقعية، لأنهم لا يرون ما يشعرهم بالفرح.
فأية سعادة أكبر من الشعور بالرضى عن النفس؟ وحتى نستحق هذه الغبطة وضعنا على هذه الأرض أحراراً.
فالإنسان مطالب أن يفرح، ومفتاح فرحه بيده لا بيد غيره، والأدعياء هم فقط الذين يلقون باللائمة على الآخر، ليتخلصوا من عذاب الضمير، ويبرأوا أنفسهم مما يسببونه لغيرهم من كدر.
هذه الدوامة التي يدور في محيطها الأشخاص القانطون مستمرة طالما تغاضى هؤلاء عن مكمن المشكلة، وطالما وضعوا أنفسهم في المنطقة المغلقة تماماً، بحيث لا مجال لتواصلهم مع الآخر إلا بهذه التغضنات التي تكسو وجوههم، وتستولي على حياتهم الكآبة الدائمة، ويمضون منعزلين خائفين مرتجفين منهمكين في التفاصيل، إلى درجة الغرق في مستنقعات الشيطان.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد