بقلم : علي أبو الريش
سلام النفس أولاً تسلم به الأوطان، من اللغط والغلط والشطط، وتشرق الشمس في الوجدان قبل شروقها على التضاريس.
اليوم، وبعد أن اختلطت الأوراق، وصارت الأفكار مثل جمرات موزعة في كل البقاع، أصبح من الضروري أن تنهض العقول النيرة، لتقف حداً وسداً، يمنع تفشي من أسوأ الظواهر التاريخية التي مرت على البشر.
ليس بالسلاح وحده يمكن إطفاء الحريق العالمي، ولكن هناك الوسيلة الأنجع، وهي وسيلة الفكر، فالإرهاب فكرة ضالة، تاهت في غياهب العقل المأزوم بالجهل، ولذلك لابد من مصل حضاري يقوي المناعة، ويكافح هذا الورم الخطير، لابد من نشوء الأفكار التي يتطلع بها الجميع، وليس حصراً على جهة من دون غيرها، فالمثقف يجب أن يكون له مساحة مناسبة ليقوم بدوره الطليعي والوجودي والوطني، دفاعاً عن المكتسبات الوطنية، وذوداً عن المنتج الحضاري وصيانة للمشاعر الإنسانية، التي تم العبث بها من قبل جماعات رهنت نفسها لمجهول المصير، وأصبحت آفة كونية لابد من إزالتها واجتثاثها من الوجود، والحفاظ على إنسانية المجتمعات البشرية.
تحقيق السلام يحتاج إلى جهود جماعية، يلتئم فيها الرسمي مع الشعبي، والوقوف كتفاً بكتف، لأن المصير واحد، ولا ثان بينهما. وعلى المثقف تقع مسؤولية الخروج من محارة العزلة، والخروج إلى العالم بوجه واضح، ومن دون أقنعة أو سيناريوهات ملغمة أو مفعمة بالغموض، فلا أحد معفياً من دفع رسوم المكافحة، والنضال ضد مرض أصبح يهدد الوجود الإنساني برمته.
وآمال هذا الوباء العصري لا تنظير، ولا تأطير، ولا تأخير للحركة بتجاه المواجهة المصيرية، الأمر الذي يستدعي تكثيف الجهود لصناعة أفكار قائمة على السلام، ويبدأ غرسها في عقول الأبناء وتدريبهم على الحب، وتعليمهم كيف يمارسون حياتهم بعشق الجمال، والتعلق به كغاية وجودية، وليست ترفاً أو بذخاً عاطفياً.
اليوم نسمع في المواقع الاجتماعية، وكذلك في محطات الإذاعات، الكثير من الثرثرة والهذيان والحكايات الخرافية، ينشرها أشخاص أجلوا الوعي إلى إشعار آخر، وجمّدوا الضمير في ثلاجة اللاوعي، وصاروا يهلوسون في هذه الوسائل الإعلامية، طلباً للشهرة، أو سعياً وراء التشويه والتشويش، وأجزم أن هذا التصرف ليس له علاقة بالحرية، وإنما هو مرتبط بالعبثية، وعدم الإحساس بالمسؤولية، كما وأنه ينفذ أغراضاً نفسية وفكرية خفية، تحتاج منا جميعاً كشفها وفضحها ومقاومتها وكبح جماحها، لمنع عن أوطاننا هذا الغث وهذا الرث، وهذا البث الموبوء والمشؤوم، ونحافظ على سلامة وجدان الصغار الذين أصبحوا عرضة لهذا التيار البغيض.
نقلا عن الاتحاد