بقلم : علي أبو الريش
بعد خمس سنوات من الغياب، يحضر الشاعر والرمز الثقافي المهم، أحمد راشد ثاني، بعد استدعاء فوري من جهة المحبين والأوفياء لهذا الشاعر الذي أوجد القصيدة الحديثة على تراب الإمارات، قلادة مزهاة بالجملة المفيدة والمفردة والمغردة على طرف وطيف.
أحمد راشد ثاني، الفتى المخصب وجودياً، المخضب وجداً بالحياة والناس والقصيدة، كان حاضراً بقوّة، في عيون عشاقه ورفاقه، ومن طافوا معه، حول محاريب الشعر، ومن طرفوا معه عندما أيقظت القصيدة أجنتها لتبوح للعالم عن ميلاد كائن لغوي اسمه أحمد، وعن طفل كبر سريعاً، فاخضرت أوراق الشعر في دفاتره المخبأة في حقيبته، وهو يحملها جيئة وذهاباً إلى مكانه في العمل، حيث جمهور الكلمات تستقبله برحابة ونجابة تصافح أنامله السمراء، بأناقة التاريخ الذي حفظه، ولباقة الفلسفة التي أتقنها ورشاقة الحلم الذي غفا عند جفنيه يداعب قلبه المتعب شغفاً بالحياة، ولهفاً إلى كتابة قصيدة جديدة.
لدواعي الوعكة الصحية لم أحضر، ولكن قلبي كان يصيخ إلى همس الأصدقاء الذين أيقظ الفقدان غزلان خيالهم، فبثوا ما بثوا، ونثوا ما نثوا، وقلبوا الصفحات عن تاريخ الشاعر والصديق بيضاء من غير سوء، لأن أحمد كان العصامي الذي اكتفى بالبساطة لتكون سر تفرده. متكئاً على موسوعية ثقافية قلما نجدها عند الكثيرين، متوائماً مع نفسه، مؤكداً ذاته بحوارية أسطورية نمت على جفنيه كما غفت خورفكان عند الرموش.
أحمد راشد ثاني الظاهرة الشعرية الاستثنائية والموجة البحثية المنغمسة في الوجود، كما انغمس سواه من عمالقة الفكر في صلب الحياة، وقلب الموت.
واستدعاء أحمد في صباحية زاهية بوجوه المخلصين كان له الأثر على الساحة الثقافية التي واكبت الفكرة، فساهمت في الاستدعاء كتابة، وهذه المبادرة من قبل هيئة أبوظبي للثقافة، ممثلة بدار الكتب الوطنية، لهي بصيص الضوء الذي تمنيناه وانتظرناه، فصار واقعاً، لأن الاحتفال بأمثال أحمد هو اكتفاء ذاتي بثقافة لها زخم، ولها عموم في الفكر الإماراتي الذي أعطى، ولا زال الوطن ينتظر الكثير، وطالما هناك عيون ترى من دون غشاء رمادي، فإن العطاء سوف يستمر والشجرة الإبداعية عملاقة في بلادنا والأوفياء كثر، ونحن بحاجة إليهم لأن الصد والسد ضد الضاكة والاضمحلال وضد أفكار الانحلال، وسيظل ميراث أحمد راشد الإبداعي سواء في الشعر أو المسرح، أو البحث غنياً بالدلالة والمعنى، وسيظل أحمد راسخاً على ظهر موجة بيضاء.
المصدر : الاتحاد