بقلم : علي أبو الريش
في حديثه مع رؤساء التحرير في باريس، أكد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، أن شمس بلادنا العربية ستشرق من جديد، ومن يقرأ تاريخ أوروبا الغربية وكيف كانت هذه البلاد، مقارنة بشرق أوروبا ممثلاً باليونان، التي أنجبت أعظم الفلاسفة، بدءاً من سقراط، ومروراً بأفلاطون، وثم أرسطو، وغيرهم من عمالقة الفكر الإنساني، يجد العبرة في أن التاريخ مثل البحر، موجاته متتالية، فالموجة تلغي الأخرى، لتسكن في مكانها وهكذا، فسقراط أول شهيد في التاريخ على مستوى الفكر، هو من علم العالم معنى أن يكون الإنسان حراً وخارج إطار الأفكار السايكوباتية، وأفلاطون الفيلسوف الذي خرج من جلباب سقراط، كان فيلسوف المثالية، وحكيم الفلاسفة، أما أرسطو فهو من علّم الإنسانية المنطق، في تداول الفكرة والبناء التصوري متلائماً مع حقيقة ما يكمن في الطبيعة.
فهذه هي اليونان اليوم التي ترزح تحت وطأة الفقدان، بينما تتربع أوروبا الغربية التي طحنت بضربات «الفايكونج» وظلام الجهل، وقد برز من بين ظهرانيها عظماء الفلسفة، بدءاً من ديكارت وروسو واسبينوزا ونيتشه، هؤلاء الذين أسسوا لمملكة الفكر الإنساني حصناً حصيناً ودرعاً منيعاً، وشيدوا للفلسفة عروشاً لم تزل الإنسانية تنهل من خيراتها ورخائها.
إذن نحن بخير طالما الأمل موجود، وطالما التفاؤل وسيلتنا في الحياة، وعنوان حركتنا في الطبيعة، ومنذ أن دأب الإنسان على البسيطة، وهو يغرس أشجار التفاؤل ويحصد الثمار، ويجابه العقبات بمزيد من الإرادة، وهي إرادة شوبنهور الذي قال عنها، إنها القوة الكامنة لمواجهة الموت النفسي، ولا يمكن للإنسانية، أن تشرق لها شمس أو يبزغ لها قمر إلا بالإعتاق من مخالب الأحزان التاريخية، والتخلي من أوهام الضعف، والتحرر من أنياب الخوف في اقتحام المستقبل، العرب نكبوا بهزائم، وابتلوا بمصائب ودارت رحى حروب ضارية على أرضهم، ولكن هذا لن يمنع من يستعيد النهر جريانه ليسقي الزرع والضرع، وتسترجع الأشجار ينوعها ويفوعها، لأن مقومات النجاة من نار التخلف متوافرة وبكثرة على الأرض العربية، والتاريخ يزخر بالإرث والقيم الحضارية التي ازدهرت بها المنطقة العربية، ما ينقصنا فقط العزيمة، وهنا يقع الدور على قادة الرأي والمفكرين والمثقفين من أبناء الأمة، هؤلاء يقع عليهم دور استنهاض الهمم، وألا ينزلقوا في مستنقعات اليأس، وألا يقعوا في حفر البؤس، وألا يقفوا متفرجين على المشهد من دون أن يقدموا ما يفيد وما يضيء الطريق للآخرين، فلا نريد منظرين بقدر ما نحتاج إلى مفكرين يقودون المرحلة إلى مرافئ الخير، ويتخلصون من عزلة الأبراج العاجية، وينفكون من قيود الفوقية والأنانية، والعبودية، نحن بحاجة إلى الوعي بأهمية الذات العربية، التي بدورها ستكون الأداة الفاعلة في استعادة ما فقدناه.