بقلم : علي أبو الريش
بالعلم تبدو الديار مضاءة بالحروف، وتبدو العقول أفنية، نجومها كلمات، وسماء الكلمات كتاب، يجالس من عرفوا أن المعرفة خير جليس لصد الخرافة والوهم، سقراط لم يواجه الوهم والجهل إلا بالمعرفة، وأخذ على عاتقه مسؤولية التضحية من أجل علم يضيء العقل وينشر الوعي وينقذ الناس من جهل الجاهلين وعبث المغرضين، لا يمكن للإنسان أن يرتفع فوق شبهات التخلف إلا إذا امتطى صهوة المعرفة، وعلى ظهر موجة العلم، طهّر سواحله الملوثة بالرواسب والخرائب، ولا يستطيع الإنسان أن يتخلص من نفايات التاريخ إلا إذا أخذ من العلم ما ينظف ثياب العقل.
وقد قال طاليس «إذا كانت الأشياء جميعاً جاءت من الماء فلننق الماء»، ولماذا لا ننقي الماء، لماذا لا ننقي الأفكار التي جاءت منها الحضارة البشرية، منذ فجر التاريخ حتى يومنا هذا؟ فنحن بحاجة إلى المعلم كحاجتنا إلى الماء والغذاء لأنه المنطقة الخضراء التي تضع الطيور فيها طموحاتها الصباحية، ومن خلاله تنثر الورود عطرها وخيرها، وأمة تقف مع المعلم أمة تعري نفسها أمام وحشية الحياة وضواريها، لذلك فإن أهمية المعلم تتطلب منا إعداد المعلم الملهم المحب لمهنة من أقدس المهن.
والإمارات وضعت الإمكانات كافة، وهيأت جل السبل لأجل بيئة دراسية مشبعة بالعلم، مفعمة بالحب للعلم، ولذلك نجد شبابنا اليوم قد تبوؤا المراتب العليا التي أهلتهم لأن يصبحوا قادة وعلماء في مجالات مختلفة، وبالأخص المجالات ذات الصلة بالتكنولوجيا الحديثة، هذا التفوق لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة البذور الطيبة التي غرست في ميادين العلم، ونتيجة للوعي المزروع في أعماق كل معلم، والذي بدوره أخذ على عاتقه وضع العلم موضع المقلة من العين، وهناك جنود مجهولون من معلمينا الأفاضل الذين يبذلون ويضحون ويبادرون ويسهرون
على تقديم ما يلزم من العلم النافع لأبنائهم الطلاب، إيماناً منهم أن التعليم رسالة، وعلى الرسول أن يكون نقياً، تقياً، ورعاً، مخلصاً، ثابتاً، واثقاً من قدراته، محباً لمهنته، متفانياً في توصيل الرسالة على أكمل وجه، والمعلم يأخذ دور الجندي والطبيب والقاضي، يأخذ كل الأدوار مجتمعة لأن من داخل هذه الغرفة التي يتم فيها الشرح ورفع الصدح، يتخرج كل هؤلاء الأفذاذ، ومن عناوين «السبورة السوداء»، تبرز النجوم الناصعة لتضيء سماء الوطن، وتبشر العالم بموهبة جديدة وقفزة جديدة باتجاه الأفق، فنحن نكرم المعلم لأنه القلم الذي يخط حروف الوطن الوضاءة، ولأنه دفتر الذاكرة التي بها تكبر الأحلام والطموحات.
المصدر : الاتحاد