بقلم : علي أبو الريش
لو قدر لطفل عربي، أن يطوف أرجاء الوطن العربي، ورأى ما رأى، وشاهد كل هذه الأحداث الدامية والخراب المهيمن على البقاع والأصقاع، ثم تليت عليه بعض النتف من التاريخ وشرح له عن الحضارة العربية والإسلامية في الماضي السحيق، وكيف استطاع العرب أن يطأوا بقاعاً بعيدة، وينشروا فيها الخير والوئام، ماذا سيقول هذا الصغير ذو القلب الغض؟
بطبيعة الحال سوف يضحك، وبجلجلة تهز أركان الكون ثم يقول: هذه خرافة، إنه رماد التاريخ وعدم الأفكار، وضياع القيم وتيه الأخلاق، ودخول الضمير في خندق الأهواء والأرزاء والإغواء. الطفل لن يصدق ولو حلفنا له بالله، وأقسمنا بالقرآن، لن يصدق بل سيمزق الأوراق التي بين يديه، ويحرق أصابعه التي أمسكت «بالوهم» ويهز رأسه الصغير ويقول: إنها خرافة قد تحكيها الأمهات العجائز لأطفالهن قبل النوم، لعل وعسى يربطن عزائمهن بالهمم العالية والإرادات الصلبة، أما الواقع فلا شأن له بالتاريخ والماضي، يبدو مثل سراب الصحراء في ظهيرة صيف قائض.
نحن الآن بحاجة إلى دروس خصوصية مكثفة كي نقنع أطفالنا بأن ماضينا كان مشرقاً ومتألقاً بالإنجازات المبهرة لأن ما يحدث في الوطن العربي مخزٍ ومؤسف، ويشع إحساساً مزرياً، ويضرب المشاعر بمطارق الهدم والعدمية.
يحدث ويسكت أي صوت متفائل، وما يحدثه من رسالة عدوانية شريرة إلى أطفالنا، مفادها أنكم يا أطفال العرب، لا تفرحوا بما تتمنه كتب التاريخ، فكلها أكاذيب وزيف وأقنعة.
هذا ما يريد أن يبعثه الأشرار إلى أطفالنا، وهذا ما يؤكدونه كل يوم، عندما سمع عما يفعله الحوثيون في اليمن، وداعش في العراق وسوريا وليبيا، وكذلك الانشقاقات والحروب الحزبية والطائفية البغيضة، هذه إشارات فظة لا نستطيع أن نسميها إلا بالعدوانية لأنها دمرت وخربت، وعاثت في الأرض فساداً، ونشرت الحقد والكراهية، وأبادت فرحة الأطفال، وأفشلت مشاريع الحلم العربي، وشوّهت حضارة أشرقت شمسها في أرجاء الكرة الأرضية، فعندما نسمع عن مسلمين في الصين والفلبين وأندونيسيا، في زمن لم تكن فيه فضائيات ولا طائرات ولا أجهزة إعلام عملاقة، بل لم يتعد الأمر قوافل الرجال الأفذاذ الذين امتطوا ظهور الجمال والخيول، ليؤدوا رسالة السلام إلى العالم، ويحيوا ضمير البشرية على هدي الدين القويم، كل هذا يجعلنا نشعر بالدونية، وعقد النقص أمام هذه الجبال العالية، التي تسلقت السماء لتصل إلى الشعوب الأخرى، برسائل صافية لا فيها زيف ولا حيف.
إنها رسائل الحلم الإنساني والفكر الذي لا يقبل المساومة على المبادئ والقيم، ولا يبيع الأحلام في سوق النخاسة.