بقلم : علي أبو الريش
في الحياة لا مجال للمستحيل، بل أنت دائماً في الممكن، أنت في المحاولة والخطأ، أنت ما بين النجاح والفشل. فالشجرة العملاقة وارفة الظل، تقف في دائرة الممكن، تقف في مواجهة الريح، تقف عند عواقب الجفاف، فقد تنجو ثمارها من العصف وشح الطبيعة أو تسقط وتذهب إلى اللا شيء.
الطير الذي يسعى صباحاً لكسب حبة الحياة، قد يفلح ويعود بالكلأ أو لا يعود، ويكون لقمة لمفترس.. الصياد الذي يسري في عتمة الظلام لاصطياد رزق اليوم، قد يعثر على رزقه، وقد يتعثر ويعود بخفي حنين.
المسافر السارب في الليل البهيم، قد يلقى نصيبه في لقاء ما، يبحث عنه أو يخفق بلا نصيب.. العاشق الذي يتحدى عواقب الظروف قد يحظى بلقاء الحبيبة أو ينال من الفشل الذريع، ولا تبقى له غير قصيدة بكائية تفشي سر حزنه، وألمه، وفجيعته.
الفتاة التي تحلم بفارس الأيام قد توفق، وقد تخفق، ولا يبقى لها غير التمنيات، وصور ما قبل النوم على الوسادة الخالية. المهاجر الذي يترك الزوجة والولد من أجل عودة حميدة ثرية بما يبهج، ويسرب السعادة إلى قلبه.
العقيم الذي يحلم ببنت أو ولد قد تنجب له الحليلة ما يفرج من لوعته وقد تتركه في جحيم الفراغ الموحش.. العاقر قد تحمل في طيات أحشائها بذرة تباهي بها الشريك المنتظر لبصيص النور، أو تبوء أحلامها بلحن جنائزي يرافقها مدى الحياة.
الطالب المجتهد قد يتفوق.. يحقق أمنيات الأهل والأحبة أو يفاجأ بورقة امتحانية أشبه بالطلسم، فيعجز عن فك رموزها لسبب من الأسباب.. الموظف المثابر ربما يبتلي بمدير أناني فج، فيجحفه حقه في الترقي، ويبقيه في المنطقة الرمادية، يتهجى حروف أمنياته مثل طفل في سن الروضة.
الفقير الذي يرى الناس مدججين بالثراء، قد تنكسر موجة آماله عند باب مصرف مالي يقول له أنت لا تستطيع شراء السيارة المعينة، لأن راتبك لا يكفي لسداد الأقساط.
إذاً نحن دائماً في عهدة الممكن، ولا مستحيل يخترق غشاء الفطرة السميك، نحن فقط في صلب الخيال عندما نقترب من المستحيل، نحن في محارة اللا ممكن عندما نخوض بحر المستحيل، الأمر الذي يجعلنا دائماً في حالة التعب، والسغب، والرغب، والنكب، والعقب، نحن ننسكب مثل حثالة من قعر فنجان مشروخ، نحن وكأننا في حفلة تنكرية عندما نخالف الفطرة، ونصعد سلم المستحيل، ولا نجد غير بقايا زجاج متكسر اسمه الآمال المحطمة. إذاً لا بد من معانقة الممكن، لأنه الطبق المملوء بحلوى السكينة والهدوء.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد