بقلم : علي ابو الريش
متى يخفت صوت الضمير؟ عندما تصبح العادة مدرسة ابتدائية، تقدم الدروس الخصوصية تحت سقف التستر على الحقائق. العادة مقبرة الضمير، وهي الحفرة التي تقوده إلى الظلام الدامس. نحن قد نتعود على ملبس معين، على الرغم من أنه لا يليق بنا أخلاقياً، ونحن نتعود على مأكل معين، على الرغم من أنه يضر بصحتنا، أو نتعود على الذهاب إلى أماكن معينة، على الرغم من أنها تسيء إلينا. نحن قد نقوم بتصرفات غريبة عن قيمنا، ونمعن في فعلها، ونستمر في ممارسة كل ما يشوهنا، ولكننا لا نستمع إلى صوت الضمير، لأنه هو أيضاً بفعل العادة، يخفت صوته، وأحياناً يختفي إلى الأبد. فالضمير هو الكائن الحي الميت في آن واحد.
الضمير قد يوقظك من سباتك، ويحميك من أغلاطك، ويرفعك عن الأخطاء والزلات، وقد يغرقك في أغوار مهلكة وتضيع أنت، ويبقى ضميرك مثل رابطة مشجعين لفريق رياضي فاشل. الضمير كائن هلامي، كما أنه كائن ملموس، وهو في الحالتين يخضع لعوامل يقظة قوة ما كامنة في داخلنا. الضمير عندما تطويه العادة في ملاءتها الرثة يختفي، ويصبح أثراً بعد عين.
الضمير عندما يتنفس من هواء العادة، تمتلئ رئته بثاني أكسيد الكربون، ويؤول مصيره إلى الزوال. الضمير عندما تختزله العادة، ويصبح مجرد عربة خربة، يجرها حصان جامح تتكسر عجلاتها، وتقع في الحضيض.
الضمير عندما يقف في مؤخرة الطابور الصباحي، فإنه لا يستمع إلى النشيد الوطني، فيغادر الطلاب الطابور، بينما يظل هو واقفاً، في انتظار ما لا يأتي. الضمير عندما تستخدمه العادة، كمنشفة العرق، يصبح رثاً إلى أبد الآبدين.
الضمير عندما يصبح ضبعاً في غابة العادة، فإنه لا يأكل إلا البقايا والجيف. الضمير عندما يكون زبداً في بحر العادة، فإنه لا يحمل إلا البقايا والفضلات. الضمير عندما يكون عرجوناً قديماً في شجرة العادة، فإنه لا يصلح إلا لكنس النفايات.
الضمير عندما يصبح حثالة في فنجان قهوة العادة، فإنه يصبح علقماً. الضمير عندما يصبح عربة فارغة في ميدان العادة، فإنه لا يصدر غير الضجيج الخاوي. الضمير عندما يصبح شراعاً مشققاً في سفينة العادة التائهة، فإنه لا يقودك إلا إلى مسارات الضياع والفشل.
الضمير عندما يصبح طائراً بلا جناحين في حقل الأشجار العالية، فإنه يقع بك في الهاوية. الضمير عندما يصبح ابتسامة صفراء، في حفلة تنكرية فإنه يطيح القيم والمبادئ.