بقلم : علي ابو الريش
هكذا يبدو طفلك شقياً عندما يرى السعادة على وجوه الآخرين لأنك أوعزت له بطريقة غير مباشرة أنه الأفضل، وأنه لكي يستمر في المفاضلة، عليه أن يتميز دائماً، ولكي يتميز لا بد أن يفرض إرادته، ولكي يفرض إرادته، يجب أن ينتزع السعادة من قلوب الآخرين، ولكي ينتزع السعادة من قلوب الآخرين، يجب أن ينتهج سلوك الإتعاس، وترسيخ واقع أنا ومن بعدي الطوفان.
يكبر هذا الطفل، ويشب على المراوغة، والمقارنة والانتهازية، والوصولية، والتسلق على الأكتاف بكعوب عالية، ونفس متعالية، وصدر لا يتسع لأكثر من شخص.
بعد مضي الزمن، يشعر هذا الصغير الذي كبر، وترعرع على مشاعر خشبية، لا يستطيع هذا الشخص أن يحب، إلا بشروط، وأولها، أن يكون الآخر في مخبأ الشقاء، والاكتئاب السوداوي. يكبر هذا الشخص، ويصبح شوكة وخازة في ظهر كل من يرافقه في الحياة، سواء في مجال العمل، أو في مجال العلاقة الزوجية أو حتى في رفقة سفر على متن طائرة.
هذا الشخص يصبح الملاذ الخطر، لكل من يقترب منه، أو يحاذيه في طابور جمعية تعاونية، إنه ضيق الصدر، كدر، مكفهر، ساخط، ناقم متذمر، برم، مشحون بعواطف مشوهة، وأفكار أشبه بقشرة صبغ على جدار قديم.
هذا الشخص لا يشعر بالشبع ولا القناعة حتى ولو شرب من نهر جارٍ، لأنه يشبه القربة المثقوبة، كلما امتلأ، فرغت جعبته، وكلما شبع جاع، وكلما جاع تضور، وكلما تضور توحش وكلما توحش فتك، وكلما فتك ازداد فتكاً، وهتكاً. إنه الشخص السادي، إنه الفك المفترس، إنه المخلب الضالع في العنف.
المستبد، مرتعد، هو مثل سعفة في مهب الريح، هو فكرة لم تكتمل جملتها، هو رواية ناقصة. المستبد حفرة في طريق مهجورة، المستبد موجة تغسل بياضها ببقعة زيت، المستبد جملة غامضة، يتهجاها بدائي، المستبد رسالة مبهمة يقرأها شخص تحت ضوء فنار تراكم الكربون على زجاجته.
المستبد رحلة فاشلة إلى القمر، المستبد حلم تشوبه صور غائمة، وهلاوس ليلة يرعشها الخوف. المستبد شخص يريد أن يمخر عباب البحر، على ظهر قارب ألواحه مثل أضلاع كهل شائخ.
المستبد مثل رصاصة طائشة تصيب عابر طريق بمحض الصدفة. المستبد، شخص لم يكتمل نموه النفسي، وعمره الزمني يفوق عمره العقلي.
المستبد، حلقة ضائعة في نظرية داروين «أصل الأنواع» لم يعثر عليها إلا جامع قمامة، في أحد شوارع تكتظ بمكبات النفاية.