دماء على رمال ساخنة

دماء على رمال ساخنة

دماء على رمال ساخنة

 صوت الإمارات -

دماء على رمال ساخنة

بقلم : علي أبو الريش

قبل ست سنوات، كان أطفال سوريا يحدقون في الأفق، وهم يحملون حقائبهم المدرسية وفي الاستراحات بين الحصص الدراسية، كان هؤلاء الصغار يتبادلون الأحاديث، وكل صغير يفتح عينيه اللؤلؤتين، وينظر إلى صاحبه قائلاً، سوف أغدو طبيباً، أعالج فيه أبناء وطني وأشفيهم من الأمراض، ويرد الآخر، وأنا أحب الهندسة لأنني أفكر في تشييد الأبنية الشاهقة، لتبدو شوارع بلادي من أجمل الشوارع في المدن، ويقول ثالث، وأنا أود أن أصبح محللاً نفسياً، لأطارد الأمراض النفسية التي تعصف بالمجتمعات، وقبل أن يبدأ الرابع في التعبير عن تطلعاته المستقبلية، فإذا به يرى غيمة داكنة، تخيم على الأرض، وتبعث رائحة نتنة تخنق الأنفاس.

اليوم، بعد السنوات الست العجاف، ضاع الطبيب، ومات المهندس، وأصيب بالجنون ذلك الصغير الذي تمنى أن يصبح محللاً نفسياً، وآمال شعب بأكمله أصبحت مثل رماد سوريا، بعدما اختلطت الدماء بالدموع، وصار البلد الذي كان سوريا ساحة للاقتتال الطائفي والحروب بالوكالة، كان الطفل الثالث عبقرياً، فذاً، لأنه تنبأ بإحلال بلده وانفراط العقد الاجتماعي، وضياع البوصلة وانبعاث إشعاع حراري قادم من كل الجهات، ولكن الذي ينفخ الكير هو نظام استبد واستعبد، وبدد وجرد، وسدد الخطا باتجاه المجهول.

اليوم لا نستطيع أن نبكي على اللبن المسكوب، فذاك الطفل الصغير كان على حق حينما تنبأ بالمأساة، وتمنى أن يصبح طبيباً نفسياً لأنه بفطرته وعفويته وشفافيته فهم مكمن الداء، وعرف الذي يهيمن على المشاعر الجمعية، فهذه الحروب لم تأتِ من بعث، بل هي نتيجة لرواسب سكنت وتمكنت من العقول واستوطنت القلوب وأصبح الإنسان متضخماً إلى درجة الانتفاخ مما يصعب حل المعضلة إلا باجتثاث المرض، ولكن من أين سيأتي الحل؟ فذاك الصغير أصيب بالجنون قبل أن يحقق أمنيته، لأن الكامن في اللاشعور الجمعي كان أسرع من عمره، فقضى على الحلول وانقضت الحلول وأصبح الوطن مستشفى للأمراض النفسية، والمعالجون فقدوا أدواتهم العلاجية مع الضمير في مكان ما من الأكاذيب التي طالت مخالبها، واتسخت أنيابها، وأصبح قتل الإنسان السوري الحل الأوفر حظاً من أي حلول، فلا جنيف ولا أستانا ولا حتى المريخ تستطيع أن تحل الأزمة، لأن المأزق كبير، والحروق تجاوزت حدود اللحم لتصل إلى العظم، والكل يقتل القتيل ويمشي في جنازته، ولم يخسر أحد سوى هذا الشعب المغلوب على أمره الذي وقع بين المطرقة والسندان، وأصبح لا يشكو إلا إلى الله سبحانه وتعالى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دماء على رمال ساخنة دماء على رمال ساخنة



GMT 15:12 2020 الجمعة ,21 آب / أغسطس

براكة... بركة الطاقة

GMT 16:04 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

رواد بيننا

GMT 13:12 2019 الجمعة ,01 شباط / فبراير

بحيرة جنيف تغتسل بالبرودة

GMT 18:55 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

الكل مسافر

GMT 20:26 2019 الأربعاء ,30 كانون الثاني / يناير

ساعات معلقة فوق الغيم

GMT 19:42 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الدلو السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 10:03 2018 الأربعاء ,09 أيار / مايو

"بهارات دارشان" رحلة تكشف حياة الهند على السكك

GMT 11:22 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تظهر بوزن زائد بسبب تعرضها للأزمات

GMT 14:04 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد بن زايد يفتتح معرض فن أبوظبي 2013

GMT 06:44 2012 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نشر كتاب حول أريرانغ باللغة الإنكليزية

GMT 19:39 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

٣ خلطات للوجه من الخميرة لبشرة خالية من العيوب

GMT 15:58 2017 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

لوتي موس تتألق في بذلة مثيرة سوداء اللون

GMT 17:22 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

فتيات عراقيات يتحدين الأعراف في مدينة الصدر برفع الأثقال

GMT 09:17 2021 الجمعة ,21 أيار / مايو

4.1 مليار درهم تصرفات عقارات دبي في أسبوع
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates