بقلم : علي أبو الريش
في هذا اليوم تبدو الذاكرة مثل قافلة تشد رحالها إلى بُطُون الصحراء لتلتقي بامرأة رفعت على رأسها قربة الماء العذب، وحثت الخطى باتجاه الأفواه التي انتظرت بشغف هطول الفرات على شفاهها الناشفة.
في هذا اليوم يبدو الزمن مثل ركاب خاضت الرمل الأصفر، لأجل أن تقرض شعر السفر الطويل، وتشدو بالنشيد الأبدي، لأجل أن تخب المرأة النجيبة على سنامها، وترفع نطاقها عن رأسها واثبة نحو غافة النهار المجلل بالتعب، ذاهبة إلى اللامتناهي كي تحلب ضرع الحياة، مستجيبة لنداء الصغار، وحاجتهم إلى الابتسامة من غير سغب.
في هذا اليوم يحضر التاريخ، مكللاً بتفاصيل ما جرى، وما نحتته العيون الكحيلة على جفني الفرح، متأنقة بكل ما لديها للقاء ثمرات النخيل، وعقبها الرائج في بساتين القيظ المتألقة.
في هذا اليوم، وكل أيام المرأة نحن في احتفال لأننا من ترائب خصتنا بالمحبة، وطوقتنا بأذرع الحنان وجعلتنا نفهم أن الحياة من دون المرأة، مثل الصحراء من دون مطر، مثل الأغصان من دون ثمر، مثل العصافير من دون أجنحة، مثل البحيرات من دون أنهار.
في هذا اليوم، وفي كل أيام المرأة، نكون حاضرين في الوجود، متوجين بتيجان الأمل، لأن للمرأة وجهاً من وجوه المنتميات إلى الخلود، ولأن للمرأة نسق الخيط الممدود من بطن السماء إلى خصيب الأرض، ولأن للمرأة كلمة هي من نفخة السماء، ولأن للمرأة بريق النجوم لا يستقيم الوجود إلا بها، ولها وعليها، لأنها مظلة الحرير ونحن الكفوف التي تمسك بقماشتها كي لا تحرق الشمس رؤوسنا، ولا يعرقلنا المطر.
في هذا اليوم، وكل أيام المرأة، نصبح في جمهورية أفلاطون المثالية، نصبح في الوطن الجميل موجات البحر، نغسل أدران التاريخ، ونمشط جدائل الحياة بالألفة، وحنان طفولي، وعفوية السحابة الممطرة، نصبح كتاباً حروفه من همسات امرأة، هدهدت في الليل نظرات طفل شقي، وأودعته مهد السكينة، ثم نامت قريرة العين، هانئة، وفي الصباح، نظرت إلى البريق في عيني الطفل، فإذا به يقول لها لقد كبرت، كبرت الطموحات في صدري وها أنا أتوق إلى رد الجميل لامرأة علمتني كيف أصطاد السمكة، ولم تقل لي خذها من دون تعب.
في هذا اليوم، وكل أيام المرأة، نحن في الحياة طيور تشير إلى السماء وتقول هناك المجد يكمن، وهناك عين الله ترعى كل من يصون المرأة، ويرد لها جميل فعالها، وبديع خصالها، وربيع مقالها.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
المصدر: الاتحاد