بقلم : علي أبو الريش
مدينة نمرود، إحدى المدن التاريخية في العراق، انشئت منذ القرن الثالث عشر قبل الميلاد، آثارها النفيسة أغاصت أيدي العبث والعدمية والغوغائية، فانهالت عليها هلاكاً وتدميراً مثلما تم فعله في مدينة تدمر السورية، وأمام هذا المشهد المزري يقف العالم مشدوهاً متسائلاً لماذا كل هذا التخريب وتسريب الحقائق إلى المجهول؟ ومن يتأمل المشهد يجد أن الهدف من كل هذا
العصف والخسف والنسف هو ضرب الحضارة الإنسانية في منطقتنا، وتحويل هذه البلدان إلى خراب ويباب، وتحت مسميات عدة، إضافة إلى ذلك تشويه الصورة الإسلامية النبيلة لأن الجحافل التي دخلت هذه البلاد جاءت بشعار إسلامي مبطن بحقد جارف ضد الإسلام، هذه الفلول الجرارة حملت معها فؤوس الكراهية لكل ما يتعلق بالحضارة الإنسانية، وكل ما يرتبط بالثوابت الدينية فأشاعت الموت وشيعت الموتى، وذهبت بحنقها على الإسلام إلى نصب مشانق الموت وفتح شراك السبي وتشريد الأسر وتيتيم الأطفال، وبث الفزع والجزع في النفوس،
وما عانته مدينة نمرود العراقية يبين مدى الجاهلية الأولى التي يعيشها هذا التنظيم المسمى بداعش، ومدى فداحة الفكر الذي يحمله ولا ندري أي دولة إسلامية يريد التنظيم إنشاءها طالما حطم جل القيم الإسلامية، وجعل من الدين مجرد لحية وسكين، ومن يتمعن في المشهد يوقن أن هذه الشرذمة البشرية المؤلفة من شتات الأرض لم تأتِ لنشر دين أو قيم ذات قيمة، وإنما حلّت علينا لتنفذ مشروعاً كونياً تقوده عصابات عالمية هدفها التسويف والإسفاف وجعل المنطقة بقايا ونفايات ومكبات لأسوأ الأفكار في التاريخ، لم يفعل المغول في المنطقة هكذا، بكل
دمويتهم، وكذلك لم يفعل الفوكانج في أوروبا، داعش نموذج مختلف للكراهية، لأنها قضت على البشر والشجر والحجر، لأنها تحمل رسالة الموت لكل ما هو حي لتصبح الأرض يباباً وخراباً، ولتؤكد الرسالة الثانية الصورة المطلوبة كي يكون عليها الإسلام، نعم إنها رسالة عنصرية شوفينية بغيضة، وللأسف أن البعض لايزال يساير هذا المشروع الحاقد بإثارة النعرات الطائفية، وكأن هناك اتفاقاً ضمنيا باطنيا ما بين داعش، والطائفيين بهدف إشعال النيران ما بين شعوب المنطقة التي كانت تنعم بالحب والاستقرار قبل هذه الصرعات الشاذة
المصدر : الاتحاد