بقلم : علي أبو الريش
بداية السعادة التخلص من الأنانية والتحرر من التزمت والتغطرس، تكون سعيداً عندما تتمتع بصفة الإيثار والتفاني والتغاضي عن أخطاء الآخرين واعتبارها هفوات وزلات غير مقصودة، حاول أن تكون شفافاً فائضاً بالحب من دون شروط، حاول أن تكون كالوردة تنثر عطرها صباحاً ومساءً لكل الناس من دون شروط أو حسابات الثواب والجزاء الحسن..
السعادة تتلاشى وتختفي خلف ملاءات انتظار الثناء والإطراء من الآخرين، فعندما تظل متربصاً، متحفزاً لاستقبال المديح فأنت في حالة التوتر والعصبية، ومن يقع في محيط التشنج يفقد القدرة على الانسجام مع النفس، ومن يفقد الانسجام مع النفس يخسر نفسه ويخسر الآخرين وبالتالي تصبح السعادة مثل ثمرة ناضجة لكنها في قمة شجرة عملاقة لا تطالها اليد، فلو وقفت في طابور انتظار خدمة شخصية وشعرت بالضيق من الزحام فتأكد أن الأنانية برزت مخالبها وأن الشخصانية كشرت عن أنيابها، في هذه الحالة تتقهقر السعادة وتتصحر النفس وتصبح التربة الوجدانية شحيحة لا تنبت عشب السعادة، ومن ثم ستجد نفسك في صراع ما بين الأنا والآخر، الأمر الذي ينتج عنه الإحساس بالمرارة، وتكون كتل كثيفة من الغيوم والهموم والسقوم ما يجعلك في حالة الانقباض التي تمنعك من الانفتاح وفرد أشرعة السفر إلى قارات الآخر والتي تصبح ممنوعة الدخول بسبب عجزك وضعفك وتقهقر مشاعرك إلى مناطق معتمة لا ترى من خلالها إلا الظلام الدامس، هذا الظلام الذي يؤدي بك إلى التقوقع والتراجع إلى مراحل غريزية ترديك إلى مملكة الضواري والوحوش، وحشية الإنسان تبدأ من تفوق الغريزة على التنوير وانكسار العمود الفقري للفكرة الشفافة، فالذات البشرية مثل التربة مليئة بالرواسب التي تطفو على السطح ولكي تصل إلى الماء العذب لابد من الحفر للوصول إلى الأعماق التي تختزن الماء الرقراق، وسعي الإنسان في تنظيف التربة هو ما يعينه على الحصول على ذاته الحقيقية، الذات النقية والأنا بالغة النضج والاكتمال، فلا أحد ناجٍ من التراكمات ولكن المنتصر هو من يعرف نفسه كما قال سقراط العظيم، والمهزوم هو من يقع في شرك أوهام المعرفة الكاملة، سقراط شرب السم من أجل أن يعرف، وبعض الأشخاص يشربون السم من أجل ألا يعرفوا، وهذا سر فقدان السعادة، فالسعادة تأتي عبر روافد الذهاب إلى المعرفة الحقة، وليس الوقوف قبل الوصول إلى حافة البئر.
المصدر : الاتحاد