بقلم : علي أبو الريش
شيء أقرب إلى المباغتة، يداهمك وأنت تجلس على مقعد الانتظار، تشعر وكأنك ملاحق من قبل كائن أسطوري، وتحاول تلافيه.
بين لحظة وأخرى، تنظر إلى الساعة، وتراقب عقاربها بل وتستعجل دورانها، لتسمع النداء الآلي يدعوك للذهاب إلى بوابة العبور إلى الطائرة.
هذا هو سحر الوطن، وهذه جاذبيته التي تأسرك، وكلما غادرت الدار تجد ما يأخذك إليها من دون وعي، ومن دون إرادة، فأنت المسلوب تستيقظ جل حواسك عندما تكون بعيداً عن الوطن، وتستدعيك الأرض التي انطلقت منها إلى بلاد الله الواسعة.
صحيح أننا نشعر بوحدة العالم ونحن نذهب إلى الآخر، بأفئدة صافية، ولكن شجرة الوطن تظل هي الأعلى بين أشجار العالم.
وأنا أجلس بمواجهة البوابة رقم 37 في مطار ميونيخ، ارتفع النداء عبر المكبر الصوتي، ومعه ارتفعت الاستجابة الفورية من مشاعر باتت يقظة، مثل عصفور يمط جناحيه استعدادا للطيران، وبدت نبضات القلب تبعث برنينها مثل عقارب ساعة حائط، والمنتظر تأبط حقيبته، وخب باتجاه الباب الزجاجي الذي انفتح على مصراعيه، استعداداً لاستقبال المغادرين إلى أبوظبي.
وأنت في أحشاء الطائرة تتحرك كالجنين في انتظار لحظة الميلاد، نعم الوصول إلى أرض الوطن هو ميلاد جديد يكتب للعائد بعد غياب، وفي الوقت الذي يتحدث فيه قبطان الطائرة عن سلامة الوصول، تكون المشاعر قد تلونت بألوان الزينة، ورفعت أعلام الفرح، متوجة بالبهجة والحبور، نتخيل هذه المشاعر ونحن على أرض الوطن، ولكننا لا نحسها كما هي ونحن في المكان البعيد، وحقيقة الأمر الابتعاد عن أرض الوطن ولو لأيام قلائل، يشعرك بحنين، إلى مكانك، وإلى كل وجه لا تحب أن تفارقه.
وحقيقة الأمر أن كل ما يجعل الإنسان يشعر بالغربة هو هذا الفارق في الإمكانات التي تقدمها الإمارات، لكل من يعيش على أرضها، هذا التميز في أخلاق التعاطي مع الحياة، هو الذي لا يغيب وجه الإمارات عن الذاكرة، ويجعلها حاضرة في كل وقت
وهذه ليست مبالغة بل هي واقع يشهد له كل قاص ودان، الإمارات نهر، وبلدان العالم بحيرات. كل إنسان يسمع عن الإمارات يقول لم بلدكم غير، وهي بالفعل غير؛ لأن الذي وضع لبنتها شخصية غير، شخصية فريدة في تفكيرها، استثنائية في عطائها، ولذلك لابد وأن تكون الإمارات دولة الدهشة، والامتياز في كل شيء، ما يجعل المشاعر أسيرة لهذا الجمال والكمال.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
المصدر: جريدة الاتحاد